الأربعاء، 6 يونيو 2007

الوشائج الإنسانية

لما خلق الله آدم خلق الى جانبه قرينته حواء ، وربطهما برابطة الزواج، واعتبرها خليلته في الحياة ،و كانا في بداية مشواريهما ينعمان في الجنة ،ثم أنزلا الى الأرض بسب مخالفتهما لأمر الله الذي خلقهما وقربهما وأكرمهما بنعمة الإنسانية وجعل الجنة مستقرا لهما ولكل إنسان صالح حافظ على قيم الإنسانية ودافع عليها وعمل على إحيائها ، هذا الإنسان حمله الله قلادة خلافته ،وكانت بداية الإعمار من كوكب الأرض الذي يعتبر كوكب الحياة ،ولقرب تشابه طبيعته ومكوناته وضروفه مع ماهي عليه في الجنة .

ومن هذين الزوجين تناسلت كل الشعوب والأمم والقبائل ، وتأسست الإنسانية من خلال العديد من الوشائج التي جمعت بين الناس فيما بينهم، فخلقت منهم مجتمع الإنسان الذي كرمه الله عن باقي المخلوقات بانسانيته وغرست فيه وشائج تجمع بين بني جلدته، وتجعلهم لحمة واحدة غايتهم العيش الرغيد في سلام وأمان وتعارف وود وحب .

هذه الوشائج كلما نأى عنها الإنسان وبعد إلا وتراجعت إنسانيته وضعفت واقترب الى الكائن الحي الشبيه بباقي الكائنات ، حيث تنفصم تلك الوشائج والأواصر ،عندها تظهر بين بني البشر العديد من المشاكل والخلافات وتتأسس الأحقاد والضغائن ، وتكثر الصراعات والنزاعات وتتفشى الأمراض الإجتماعية والنفسية وغيرها من الأمراض الخطيرة على البقاء والبناء ، ويبتعد البشر عن حكمة تواجدهم في الأرض وهي الإعمار والتعارف ، وبقدر ما تنفصم تلك الوشائج والأواصر ، بقدرما تتأزم حياة بني البشر بابتعادهم عن انسانيتهم .

إن إحياء هذه الأواصر بين بني الإنسان ، إحياء للنفوس وبقائها، واستمرار للحياة وهنائها ، وأول هذه الأواصر : رابطة الدم والقرابة ، وأشدها وشاجة رابطة الدين والعقيدة ، وبين هذه الأواصر روابط شتى، أذكرمنها مايلي :




أولا / رابطة الدم والقرابة


هذه الآصرة والتي وهي أول ما يفتح الإنسان عليها عينه بين يدي أمه وأبيه ، تتقوى مع مرور الزمان وهو ينعم في أحضان أمه ، ينعم بدفئها وحنانها ويتغذى من طيب حليب تديها ويتعلم القوعد الأولى للحياة منها ، ويترعرع وهو مشمول برعاية أبيه وعطفه، وينمو بين أحضان أسرته الصغيرة ، ومع مرور الوقت تتقوى هذه الاصرة بين الأسرة وتكون هي المنبع الأول لهذه الوشائج الإنسانية والتي يجب الحرص على تمتينها ،وعلى المختصين في مجال التربية والتكوين الإهتمام بهذه المرحلة والعمل على تحسيس الناس بأهمية زرع تلك الوشائج في نفوس الناشئة .

إن صلة الدم والقرابة إذا تأصلت عند الطفل بشكل سليم وصحي ، بعيدة عن الأفكار الهدامة ،من شعور بالتفوق والإستعلاء وغرس للأنانية وحب للذات وغيرها ،ستجعل منه إنسانا يتمتع بإنسانيته ويفيد مجتمعه ، ويعمل من أجل ترسيخ مبادئ الإنسانية بين الناس، وبذلك ينفع نفسه ومجتمعه ، ويكون صلة للخير لا صلة للشر ، لأن وازع الشر فيه موؤود بلا رجعة ، هكذا يصبح المجتمع الذي يزخر بمثل هذه الناشئة بعيدا عن الأمراض التي تصيب المجتمعات إلا لماما .

إن فقدان هذه الآصرة عند الطفل في مرحلة نموه الأولى ، تجعله يكبر بشكل آلي تنعدم فيه المشاعر والأحاسيس الفطرية الأولى التي يكتسبها الناشئ بالفطرة من الأم والأب أو من يقوم مقامهما ، مما يؤثر سلبا على الجانب النفسي في حياته بحيث يكون ميالا الى الشدة في مواقفه، ، سريع الغضب ، وأحيانا يكون فاقدا للتواصل مع أمثاله ومع وسطه ، وقد تظهر عنده نزعة للعنف ، وقد يصاب بالإكتآب والقلق،أو يؤثر ذلك على نموه الطبيعي الجسمي والعقلي .

لايقتصرالثأتير على الفرد " الإنسان" فحسب بل ينعكس هذا على المجتمع سواء من الناحية الإقتصادية بتواجد أطفال من هذه الفئة في المجتمع تشكل عائقا تنمويا قد يكبربتزايد أعدادها ، ويخلق نوعا من الخلايا السرطانية الخفية في المجتمع وتكون سببا في تدميره إذا لم يؤخد بعين الإعتبار علاجها أو حتى استأصالها عن الضرورة.

هكذا ، فالباحث في مقارنة الأديان السماوية سيلمس الإهتمام الذي توليه الأديان جميعها لهذه الآصرة، وذلك من خلال حث الأمهات والآباء على رعاية الرضع والإهتمام بهم ،وبالمقابل تذكير الإنسان في رشده بما قدماه والديه له من الرعاية والجميل وحثه على عدم نكرانه والإحسان إليهما خاصة في الكبر .

من هنا تكمن أهمية هذه الآصرة وتتجلى فائدتها ، غير أن تمة عوامل مؤِثرة على حسن نهجها، وهي :

+* العوامل الذاتية و منها:

=النفسية :وهي الحلة النفسية التي تكون عليها الأم أو الحاضنة وبالتالي تنتقل آثارها إلى نفسيةالطفل .
=العقلية : وهي الوضعية العقلية التي تكون عليها المربية من الأم أو الحاضنة أومن يقوم مقامها ،ومن السهولة ان يتطبع الناشئ على بعض من طبائع المربي .

+* العوامل الموضوعية :

=الأسرة: حيث تنعكس حالة الأسرة بإعتبارها المشتل الذي ينشئ الطفل في بدايته ، وهي على ثلاث مستويات:
1 _ الأسرة القريبة : وهي المؤثر الأكبر _الأم
_الأب
_الأخ
-الأخت


2 - الأسرة البعيدة : الأقل تأثيرا -الأعم والعمة
-الخال والخالة

3-بين القريبة والبعيدة : المؤثر الأوسط:- الجد والجدة
- ابن العم او ابن العمة
- ابن الخال او الخالة

كل هذه العوامل تبقى صانعة للحالة النفسية التي سيكون عليها الطفل، مع تداخل عوامل أخرى منها ماهو مرتبط بشكل مباشر بتكوين الطفل . إن رابطة القربى التي توشج أفراد الأسرة فيما بينهم تمثل آصرة أساسية لخلق نوع من التآز بين الناس وخلق نوع من التواصل و التواد بينهم ، لكن بدون تعصب أو مبالغة أو غلو لهذه الآصرة أو العكس.


ثانيا/ آصرة الجنس والنوع

وهي من المقاربات التي كثر الحديث عنها مؤخرا ، وبدأت تثار كإشكالية من الإشكاليات المرتبطة بالتنمية . غير أن البعض يتحايل في الخوض فيها نحو المرأة باعتبارها طرفا والجنس الآخر مقابلا له ، وتصبح المقاربة بحثا عن حقوق أو حصول عن مكاسب أو طلب للمساواه أو التساوي في الأمور كلها وهذا عن سوء فهم أوتقدير مقصود أو غير مقصود .

والراجح أن عدم فهم اعتبار أن الذكر والأنثى شقيقين من البداية الى النهاية ، أو من أول الخلق إلى نهايته ، هو الذي يسقط في مثل هذه الأخطاء أو المغالطات ، لهذا لابد من الرجوع إلى هذه الرابطة والإهتمام بها وترسيخها إن لم نقل إحيائها في النفوس عند الناس .

لا يمكن تصور الأنثى أضعف من الذكر ، أو الذكر أفضل من الأنثى، أو هو الأكثر نفعا وخدمة للإنسانية ، وهذا من الأعراف والعادات الباطلة التي كانت سائدة عند البشر قديما ، لكن مع الأسف نراها عند البعض حتى في العصور الحديثة والمعاصرة ، فمن الناس من يفضل الذكر عن الأنثى أو العكس يفضل الأنثى عن الذكر ، ويظهر ذلك في التربية الأولى للناشئ ، فينشأ على هذا التمييز ويتربى عليه ، وعندما يكبر ينظر إلى الآخر بأنه أقٌل قيمة وربما يحتقره ويستهين بقدراته ، هكذا تخلق الإشكالية وبالتالي يظهر الصراع .

إن آصرة النوع في نظري رابطة إنسانية كبيرة ، وتنشئة الصغار عليها وجعلهم يحترمون النوع الآخر باعتباره مكمل وسكن للآخر أولوية في التربية ، وكل جنس لايمكن له البقاء والإستمراية دون الآخر. والإهتمام بهذه الآصرة من شأنه أن يجنب المجتمع الإنساني العديد من المشاكل والتي لايمكن حلها إلا بالرجوع إلى الفطرة الآولى التي خلق الإنسان عليها ، وهي ارتباط الذكر بالأنثى برابطة التكامل والتعاون .ولايمكن أن نتصور علاقة الجنس البشري فيما بينهم ، ذكرا وأنثى ، على أنها رابطة زواج فقط ، ولايمكن أن ينظر إلى الجنسين نظرة غرائزية فقط ، فهذه النظرة وإن كانت ملزمة و لايجب إغفالها ،لابد من تهديبها واحترامها ومراعاتها ، فالمبالغة فيها يجعل المجتمع الإنساني ميالا الى الآدمية والحيوانية منه الى الإنسانية والأخلاقية.

لا تجعلو أطفالكم لايحترمون بعضهم البعض ، لابد من تربيتهم تربية يكون أساسها التوافق بين الذكر والأنثى مع الحفاظ على خصائص كل واحد منهم ،وهنا يكمن الفرق لا الفارق ، فخصائص الذكر ليست هي خصائص الأنثى ، ولا تناقض بين خصائصيهما ، وإنما تكامل وتوافق، يؤدي الى الترابط والتزاوج ، ورابط الزواج من الروبط الإنسانية الموثقة بشكل قدسي عند جميع الأديان ، ولايمكن تصور الحياة بدونها .

فآصرة النوع كلما كبرت وتقوت ، وازدادت تأصلا في المجتمع ، إلا تمكن الناس من الإستفادة منها وذلك ب:

*-جعل المجتمع ينعدم فيه التميز بين الأنثى والذكر
*- جعل المجتمع يستفيد من اشراك الجنسين في التنمية
*-القضاء على أشكال الرق والإستغلال بجميع أشكاله
*- عدم هدر الطاقات في الخلافات الجانبية بين الجنسين
*-توحيد الرؤى والجهود نحو العدو الحقيقي اللإنسانية ومحاربته (سوف أتحدث عنه في مناسبة قادمة)

هكذا ستتحول مقاربة النوع التي ينادي بها البعض في هذه الآونة ويتحمس لها الى مقاربة للتكامل والتشارك في المطالبة بالحقوق المشتركة بين المرء والمراة ، فالذكر والأنثى تربطهم رابطة مشتركة وهي رابطة الإنسانية ، غير أن لكل واحد منهم خاصيته الأساسية ، فالمرء ذكر وخاصيته الرجولة ، والمرأة أنثى وخاصيتها النسوية ، وكلاهما يشتركان في الإنسانية ،وكلما تقوت الأواصر الإنسانية إلا وترقى الإنسان الى الأعالي بإنسانيته، وكلما ضعفت الوشائج أو نقصت إلا ونزلت به الى الآدمية وهي القريبة من الآلية والحيوانية .

ثالثا / رابطة الإنتماء الى الأرض


إن الشعور بالإنتماء الى الأرض ، يخلق نوعا من الحب والتقدير للأرض واحترام الحياة والدفاع عنها وذالك بحمايتها وتجنب الفساد فيها وتدميرها ، هكذا تتقوى الرابطة مع الأرض ، وتجعل الناس يعملون جميعا من أجل البقاء في هذه الأرض وتجنب الأعمال والأنشطة التي تؤدي البيأة والطبيعة وتدمر الحياة.

إن الأنشطة ذات الصبغة الإقتصادية والعلمية وكل التجارب التي يقوم بها الإنسان والتي تتنوع حسب النشاط والأهداف التي يتطلع الإنسان إليها ، كل هذه الأعمال إذا لم يكن وازع حب الأرض والحياة وحمايتها حاضرا أثناء القيام بها وإنجازها من شأنه أن يفسد العيش في الأرض وذلك بتدمير البيأة والحياة والقضاء على الكائنات الحية ، مما يتسبب في عدم التوازن، ويشكل خطرا على الإستقرار في الأرض .

وبقدر ما يستمر الإنسان في تلك الأنشطة وهو في نظره يسعى الى البناء والتطور ، بقدر ما يتسبب في معانات الإنسانية خاصةالمستضعفين في الأرض ،وإن كان في منآ عن تلك الأخطار آنيا فإن آثارها ستلحقه لامحالة .

لايحق الإعتقاد أن الفرد إن حمى جانبا من الأرض التي يتواجد عليها سيعيش في منئا عن المشاكل التي يسببها في الناحية الأخرى من الأرض، إن الأرض واحدة والحياة فيها واحدة ،يحياها الناس متشاركين ومتضامنين ، وإذا فسدت جهة من الأرض و لم يتم التدخل لإنقادها انتقل الفساد الى الجهة الأخرى منها ،عندها سيعم الفساد الأرض. فالأرض مهما بسطت فهي صغيرة وضيقة ، وكثرة الأنشطة الضارة من شأنه ان يعكر صفو الحياة الطيبة الجميلة.

إن ما نسمعه الآن من الأخطار التي تهدد الكون والحياة ، من تهديد لطبقة الاوزون ، وارتفاع لدرجة حرارة الأرض ، واضطرابات جوية ، وارتفاع نسبة الحركات التكتونية وغيرها ، وتدمير العديد من المنشآت الطبيعية التي تحدث التوازن البيئي في الكون ،والتقلبات المناخية الغريبة في العالم ، والإنعكاسات الكبير ة التي يحدثها من تصحر ، وانجراف للتربة وانخفاض منسوب الآبار العدبة ، وغير ذلك كله ، بالإضافة الى الأمراض الوبائية وغيرها التي بدأنا نسمع بها والتي تهدد صحة وسلامة الكائنات الحية، ليس إلا رد فعل من الطبيعة وإنذار منها لإشعار الناس بالرجوع الى جادة الصواب وعمل معا من أجل الحياة لأن الإنسان والأرض يشكلان وحدة الحياة و في سلامتهما بقاء الإنسان والأرض .




رابعا/ رابطةالزواج


وهي رابطة مقدسة وقوية ، مقدسة لأن الأديان ، بإسم الله، دعت الى تمتينها والدفاع عنها وصونها نظرا لأهميتها ودورها في استمرار وبقاء النسل والحفاظ عليه ، وقوية لأن الإرتباط بالزواج لابد أن يكون مقيدا بالعشق والحب والولع والهيام والمودة ثم الرحمة ، وهي طبقات ومراتب في الحب لايصل إليها جميعها إلا العارف الواصل.

إن رابطة الزواج من خاصيتها الجمع بين الجانب الآدمي والجانب الإنساني في الحياة، فالآدمية البشرية تجل الإنسان بحاجة إلى اشباع رغبته الجنسية وحقه الطبيعي فيها ، وهويختلف من إنسان الى آخر حسب حالته النفسية ووضعه العقلي والإجتماعي والبيئي ،وبالتالي يسعى إلى أشباعها والبحث على ذلك بشتى السبل ، والإشباع نوعان :

1 / اشباع طبيعي صحي ،

وهو الإشباع بين الرجل والمرأة ، ولابد من التناسب ، أو على الأقل التقارب ، والإفراط والمبالغة والإكراه والإعتداء خروج عن المألوف ومرض لابد من علاجه ومقاومته لأن هذا يرجع الإنسان إلىالآدمية ثم يسقطه في الحيوانية ثم الى الهمجية المتوحشة البعيدة عن الإنسانية والقيم الأخلاقية.

فالأخلاق والقيم هي الوشائج التي تجعل من هذه الرابطة رابطة انسانية اسمى مقصد لها تساكن وتواد ورحمة ، ولابد ان يكون الحب هو الدافع إلى الغريزة وأن لايكون العكس ، لأن الحب يسمو بالغريزة ، وبالتالي يقننها ويهذبها ، ويبعدها عن البهائمية ، صحيح أن الفطرة التي جبل عليها الإنسان تجعله دائم التفكير في البحث عن نصفه الأخر ، وأحيانا تدفعه النفس إلى التفكير في تلبية غرائزه بأي شكل من الأشكال، لكن قيود الأخلاق أو الدين هي التي تلجم تلك الغريزة الجامحة والشديدة في الإنسان ، من الآدمية الحيوانية إلى الإنسانية الفاضلة .

إن هذه الرابطة تؤسس لخلية صلبة في جسد الإنسانية ،هذه الخلية تعتبر حلقة لايمكن للإنسانية الإستمرارية بدونها ، وبالتالي لابد من الحفاظ عليها ، وذلك بحمايتها ، ورابطة الزواج هي الضامن الواحد لحفظها و لسلامتها ، وهو المنطلق ، وبقدرما يكون الزواج سليما وصحيا ولا أقول صحيحا ، لأن الصحيح يضمنه القانون والعرف الذي يتفق عليه الناس ، لكن الصحي عندي هو الجانب الأخلاقي والروحي في الرابطة وهو تلك الآصرة التي تربط بين الذكر والأنثى، بقدر ما يصبح المجتمع أكثر عافية ، وينعم في السلم والأمان والترابط .

المجتمعات التي تحترم هذه الرابطة وتقدسها بالشكل الذي فطر الإنسان عليها ، تسعد وتنعم وتكون في مأمن من الأمراض التي تلحق المجتمعات التي لاتحترم هذه الآصرة ، والأفراد يعيشون وينعمون في السعادة التي حباهم بها الله وأنعمهم بها في الأرض ، فالله لم يخلقهم ويبعتهم الى الأرض كي يشقو فيها بل العكس هو الأصح ، لكن الفرد منا بتصرفاته الطائشة يقلب السعادة الى شقاء عليه وعلى الإنسانية كلها .

ياأبناء هذه الأرض، لاتتركوا غيرالآبهين بالحياة يفسدوا فيها،لاتتركوهم يدمروا الحياة والأمل فيكم ، دافعوا عن الحياة بالحب والود والأمل ، واغرسوا ذلك في أبنائكم ، ترابطوا مع طرفكم الآخر بالزواج والحب ، وارتقوا الى المودة والرحمة بالتسامح والبدل والعطاء ولا تنتظروا المقابل لأن ذلك متبادل بينكم ، وسف تلمسون ذلك في حينه، حافظوا على هذه الرابطة ولاتعبتوا فيها بالأفكار الهدامة السيئة، وتجنبوها ولاتعتبروها أبدا عيشوا على الفطرة التي جبلتم عليها من الله الذي خلق كل شيء جميل لتنعموا في هذه الحياة.



2/ اشباع غرائزي مرضي

عندما يطلق الإنسان العنان الى غرائزه ونزواته النفسية دون قيد ولاشرط ، يكون بذلك آدميا قريبا الى الحيوانية منها الى الإنسانية ، فتتعطل انسانيته ،ويصبح الهم الوحيد عنده إشباع غرائزه والإستجابة لنزواته ، ويصبح هواه معبوده الأول ، وتتقلص وظائف العقل والحكمة عنده ، هكذا يصبح مخلوقا من أجل الغرائز، بهائمي منحط في إشباعها،لا يميز بين ماله و ماعليه ، فقط الأنانية وحب النفس المسيطرة عليه بشكل مرضي وبشكل تعسفي ، يتحول بها الى الإعتداء على حق الآخر الذي هو إنسان مثله ، وبالتالي يصبح بأفعاله مضرا للإنسانية وغير نافع ولاصالح لها ، وأمثال هؤلاء لابد من معالجتهم بإرجاعهم الى إنسانيتهم وإعادة احيائها فيهم من جديد وطرق العلاج كثيرة وسهلة ومتنوعة ، ونشر الفضيلة والأخلاق والدين الحق ومن أسهل الوسائل وأنعجها في العلاج .

فالإبتعاد عن رابطة الزواج ، أو تحريفها بالشكل الغير الصحي والسليم يسقط في روابط مناقضة للفطرة الإنسانية وهي:


روابط السفاح

وهي كل علاقة تتحكم فيها الغريزة الجنسية بين طرفين خارجة عن الزواج المألوف بين ذكر وأنثى ،لاتتحكم فيها أي قواعد دينية أوعرفية ، وتجعل العلاقة بين الطرفين علاقة غرائزية الهدف منها اشباع الجانب الغرائزي الآدمي دون مراعات للأخلاق الإنسانية والقيود الدينية ، فمثل هذه العلاقات التي تتحقق فيها اللذة الحينية تكون آثارها وخيمة على الفرد والمجتمع وعلى الناس ، والإبتعاد عنها وعن المسبب لها من شأنه أن يجنب الفرد والمجتمع والإنسانية العديد من الأمراض والمشاكل التي تكون الحلول لها مكلفة وأحيانا صعبة ، لو تم تجنبها لربحت الإنسانية الجهد الأكبر في صالح التنمية وخدمة الإنسانية .

لا يسمح لإثنين غير مرتبطين بالرابطة المقدسة الإلتقاء بينهما ، كما لايحق منعهما من تلك العلاقة والحق الطبيعي لهما ، ولابد من تبسيط مساطر الزواج وتسهيلها ، وجعلها في متناول الناس دون كثرة القيود والعراقل ، ان الرجوع الى أحكام بسيطة كانت في القدم وكان مرجعها الديانات السماوية التي قننت الى الزواج خير إذا تم تبسيطها وتحديثها، ومراعة مصلحة الإنسانية فيها، يسروا أيها الآباء لأبنائكم هذه الرابطة وشجعوهم عليها ولاتكونوا سلبيين في اختيارهم لشريك حياتهم دعوهم أحرار في ذلك، فقط علموهم وارشدوهم وانصحوهم واقنعوهم عند ما ترون أن اختيارهم غير صائب أو يشوبه عيب ما .

إن العازب الذي يبحث عن اللدة في حينه يكون فاسدا منحطا ، والتي تمارس تلك الرذيلة تكون منحطة وساقطة في نظر الناس ، فلا تشجعوا الناس على القيام بها وامتنعوا وامنعوا من انتشارها ولاتتركوها تصبح مهنة من لامهنة له، ساعدوا الناس على خلق المهن الشريفة البعيدة عن الأعمال المشينة التي تضر الناس والإنسانية ، والمتزوج ذكرا أو أنثى إذا اقترف ذاك بعيدا عن فراش الزوجية يعتبر خائنا وفاسدا ومنحطا، وقد يكون المثل السيئ عند أبنائه، لقد خان قدسية الرابطة وبالتالي عليه التوبة ، وفاسد لأنه يفسد الروابط بين الناس ، ومنحط لأنه انحط من انسانيته الى البهائمية.

روابط المثلي

وهي من الروبط التي ترجع الى عهد قديم، عند العديد من الأمم البائدة التي ألم بها العذاب واللعنة الإلهية والتي أدت الى زوال هؤلاء القوم المخطئين الظالين ، والخارجين عن المألوف والفطرة الحسنة التي خلقوا عليها ، هذه الروابط لاتوجد عند الحيوان لأن الغريزة تدفعه الى البحث عن الطرف المقابل له والمكمل وليس المثل لأن ذلك فقط غريزة واشباع في غير موضعه ، مخل للأخلاق ، مخالف للفطرة ، فكيف بالأحرى أن يدافع بعض من يعتبرون من الآدميين و يلحون في الطلب على تقنين مثل هذه الروبط ، وتعتبرون ذلك من الحقوق والحريات الشخصية ، غير أن ذلك مخالفة و شذودا .

إن الدوفع والتبريرات التي يتشبت بها المطالبون لمثل هذه الروابط باطلة ولا تستند الى منطق العقل والحكمة والفطرة السليمة ، بل هي دوافع أساسها الغلو والرغبة في المخالفة واتباع الشيطان ، واطلاق العنان الى الغرائز الشاذة ،والإنغماس في الرذيلة والعهر .

فالآثار السيئة والقبيحة التي ستترتب على مثل هذه العلاقات لايمكن تصورها ، فبقدر ما تتزايد مثل هذه المخالفات للفطرة في الواقع ،بقدرما تسرع ذلك الواقع الى زواله ونهايته بشل تراديجي أليم وقبيح، وتكون النتائج وخيمة على جميع الناس .

حقا والحق أقول ، أن هذه العلاقات من أشد المخالفات خطرا على الإنسانية جمعاء فلا يحق للإنساني الذي يعتز بإنسانيته ان يدافع على مثل هذه الروابط لأنها حالات مرضية ، وعلاجها بالرفق على هؤلاء وإشعارهم بإنسانيتهم التى نسوها وإحيائها فيهم بالتربية والتهديب والمحاورة والإحتكاك بالطرف الآخر لكل نوع ، وبالرجوع الى الدين الحق الأقوم الصحيح .


خامسا /رابطة الدين والإيمان بالله

إن هذه الآصرة من أشد الأواصر قوة ورباطا بين الناس ، وهي الأقرب الى الإنسانية وإلى الدفاع عنها ، وعليك أن تعلم أن الدين الأمثل هو الأكثر قربا الى الفطرة الإنسانية ، وهو الذي يلبي لها جميع حاجياتها الروحية والنفسية والطبيعية ، وفيه يجد الجواب على كل شيء يحيره ، وبه يجد الإستقرار والراحة في الحياة الدنيوية قبل الحياة الأبدية ، والتي هي الحياة الأولى التي كان عليها آدم قبل خطيئته ونزوله الى الأرض.

على كل إنسان يؤسس هذه الرابطة بداخله أن يقويها ، ويلقنهاللأولاد في التربية ويلازم أهله على إحترامها وعلى اتباعها واحترام تعاليمها، والحرص على تطبيق أركانها وفرائضها بالشكل الصحيح للدين الذي يسمح له العقل والجهد القيام به بدون غلو ولا مبالغة، لأن الغلو في الشيء وإن كان في المعتقد مخالفة وابتعاد عن جادة الصواب ،
عادة يكون مما لم ينزل به الله من سلطان. وسيكون لي حديث في موضعه حول هذه الإشكالية .