الخميس، 21 يونيو 2007

الرأسمال الإنساني


من الطبيعي عند الناس الإهتمام بالإقتصاد كغيره من المواضيع التي تتير الفضول المعرفي اليوم ، وبشكل أخص كعلم يهتم بالعيش الفردي والجماعي ويؤثر في نمطه، والرأسمال من بين أهم مواضيعه وهو مرتبط بالثروة كيفما كان مصدرها ، غير أن الرأسمال الحقيقي عند الإنسان إنسانيته وليس ماله ولا ثرواته ولا إمكانياته ،وكما أن الناس يسعون الى الحفاظ على الثروة، فإن الإنسانية أجدر بذلك. فما هي السبل التي يمكن بها الحفاظ على هذه الثروة وتنميتها، وحتى ربما تصديرها الى الآخرين .

كم هي الأموال التي أنفقت في سبيل البحث والتنقيب عن الثروات الطبيعية والباطنية عند الناس ، وكم هي البحوث والدراسات التي أنجزت في سبيل ذلك ،فالمكتبة الإنسانية غنية بشكل كبير بمثل هذا، والأمم تطورت بشكل كبير بسبب هذا ، والحضارة المعاصرة الحديثة ارتقت الى هذا الأوج من الرقي، بل وهي في زيادة، بفضل هذا ، لكن هذا كله تطور و تقدم ورقي من الناحية الشكلية فقط ، لكنه في الجوهر يظل زائفا وفارغ روحا، بعيدا عن تحقيق السعادة المثلى للإنسان في عالم اليوم.

فالإنسان كائن حي ، نعم حي بإنسانيته حي بأفكاره ،حي بمعرفته ،حي بعلاقته مع الأخرين أمثاله ، وحي مع علاقته بباقي الأحياء ، حي مع الأرض التي يدب فيها ، حي مع الكون كله ، حي مع العالم المرءي والخفي ،هذا الكائن محكوم بالإنسانية التي هي أساس تميزه عن الآخرين من المخلوقات ، وهي رأسماله الحقيقي الأمثل الوحيد ، فالإنسان لايقاس بالأموال التي هي تحت إمرته وتصرفه ،ولا السلطة التي يمتلك العمل على تحقيق الحق بها، ولا المعرفة التي هومسؤول على تلقينها للأخرين، ولا غير ذالك ، بل يقاس بدرجة خدمته للإنسانية جمعاء ،و يقاس بقدر عطاءاته للناس ومايقدمه لهم مما جعل عليه مسؤولا ومستخلفا .

إن الإستثمار الحقيقي ليس في الأموال ، ولا في الثروات كيفما كان مصدرها ، بل في الإنسان ، والذي بدأ البعض تجاوزا يطلقون عليه مصطلح: المورد البشري ، وإن كنت دائما من المتحفضين كثيرا من هذا المصطلح لكونه يركز في الإنسان على الجانب الآدمي دون الجانب الإنساني المهم فيه ، فالدراسات التي تهتم بالتدبير في الموارد البشرية ، والسياسات التي تهتم بالتنمية البشرية، تفكر فقط في الجانب الآدمي عند الإنسان، وتركز على الحاجيات المادية له والمعرفية ، ولايهمها سوى مايحققونه به من ريع، ومايقومون به من عمل ويؤدونه من خدمة، على أن هناك جانب مهم لابد من الإهتمام به ومراعاته ، إنه الجانب الإنساني الذي يكون له الأثر الكبير على الحياة عند الفرد سواء الخاصة أوالعامة أو المهنية .

كثيرا مانسمع بتدبير الموارد البشرية وما تقدمه من حلول للمشاكل وتعمل على وضع سياسات للرفع من المردودية داخل المؤسسات، ونسمع بالتنمية البشرية وماتقدمه من سياسات من أجل الرفع من المعانات التي يعانيها بنو الإنسان في هذه الأرض بسبب التوزيع الغير العادل للثروات التي حبى بها الله الإنسانية جمعاء ، كل هذه الحلول وغيرها وإن كانت مهمة ولها من الآثار الإيجابية ما يزيل المعاناة و الفاقة عن الناس ، فإنها تبقى نسبية ولابد من مرافقتها بما هو ضروري وأساسي في الحياة الإنسانية وهو زرع وإحياء الوشائج الإنسانية بين الناس وجعلهم شركاء في كل ثروات هذه الأرض بدون استثناء.

أخي فكر في أخيك الإنسان وفي علاقتك معه ، سواء في السكن الذي تشتركه معه، أو في الحي الذي تقيمان فيه معا، أو في الطريق الذي تسلكانه للوصول إلى مآربكم، أو في العمل الذي يجمعكم ، والذي أنتم مسؤولون على القيام به أمام ضمائركم وأمام الناس في الحياة وأمام الله. علم نفسك أنكما معا واحد ، وأنكما الثروة الحقيقية لاالثروات الأرضية لأنها كلها فقط مسخرة لكم لإكتشافها واستغلالها من أجل العيش السعيد لكافة بني الإنسان ، فالناس شركاء في المال وكل ماهو مادي في هذه الأرض ، تجمعهم رابطة الإنسانية وتوحدهم جميعا على فعل الخير والعمل عليه ،ليس الخير في الصدقات التي يتصدق بها الواحد منا ، وليس فيما تجود به النفس للغير مما فضل عليها ، لأن هذا يجعل النظرة للغيرعلى أنه أدنى، لا تنظروا لغيركم على انه أدنى منكم أوأقل ثراءا فالثروة هنا ليست المال ولا السلطة ولا الجاه، وإنما الثروة في الرأسمال الإنساني الذي يمتلكه الشخص ويعمل به لصالح الإنسانية.

فالملكية في الشيء هي ملكية نفعية ، وإن تنفع الإنسان بها فلابد أن تنتقل تلك الملكية للآخر ، هذا الآخر قد يكون الوريث القريب كالبنت والإبن والزوجة والوالدين والأخ والأخت...،وقد يكون الوريث الإنساني وهم الناس كافة ، والناس لايرثون إلا الصالح من الأعمال التي نقوم بها نحن بنو البشر ، فبقيامنا بتلك الأعمال الصالحات نحقق السعادة لأجيالنا ، لأننا نورثهم العمل الصالح ، ونقدم لهم المثل الأعلى في ذلك ، وبقدر مانهتم بالمنفعة الضيقة والشخصية ونورثها للغير ، ينتهي المطاف بذلك الى الصراع على المصالح الزائفة، وتظهر الحروب والأحقاد ، ويشقى الإنسان بذلك عوض أن يسعد ويهنأ، فالرسل والأنبياء والصلحاء والعلماء كلهم ورثوا الإنسانية الصالح من الأعمال والتي تخدم الناس في حالهم ومآلهم ، وتجعلهم إخوة متضامنين ومتحابين، ولم يتركوا لهم الأموال ولا الأشياء المادية، فهي متاع وفي المتناول تحقيقها إذا كانت هناك إرادة حقيقية وعزيمة قوية ، وأن أهميتها لايمكن إغفالها ولانكرانها ، غير أنها ليست الرأسمال الحقيقي عند الناس ولا بها تقاس الثروة، فالأخلاق والفضائل والأعمال الصالحات باقيات ببقاء الإنسان، وحافظات على سر الحياة والحكمة في الإستخلاف في الأرض والحفاظ عليها.