الخميس، 15 نونبر 2007

الإنسانية المتغيرة

التغيير من القواعد التي تمشي على الحياة والكون ، وهو من الناموس الكوني الذي وضعه الله خالق هذا الكون كي لايحس الإنسان المخلوق الأسمى في الأرض بالرتابة ، وهو من الأدلة القاطعة التي تثبت بها ألوهية الرب في الكون ، فالتغيير قاعدة في الحياة له ارتباط بالتجديد والتطور، والمقابل لهذا التغييرالثبوت والسكون، وهذه الصفة لايتصف بها إلا العدم، وإن حصل التبوت في شيء فإنه من قبيل الإستثناء، وكل شيء قابل للتغيير، ، سواء بشكل إيجابي أو بشكل سلبي، والحكم في ذلك يبقى حسب النتائج، ومنذ أن خلق الله الكون وهو في تغير مستمر، والإنسانية تتعامل وتتكيف مع هذا التغير حسب الأحوال والظروف ، فمن الناس من يساير هذا التغير ويتابعه بالحكمة والعقل ، ومن الناس من يساره بالتقليد الأعمى، فيرتبط بالتنوع من خلال هواه ورغباته، ولايملي له هذا التغيربأي حكمة أوفائدة ، ومن الناس من لايساير الركب ويبقى بعيدا عن التطور الحاصل في الكون، ولايشمله التطورإلا بأثر رجعي، وهذه آفة الأمة المتخلفة عن ركب الحضارة، والمتقوقعة عن نفسها، فكي تكون فاعلة في التغيير، تبقى مفعولة بها، فيشملها التغيير بحكم القاعدة والأمر الحتمي، ولا تنفعل مع التغير في وقته وآنه، ومن الأمم التي تمتلك مفاتيح العلوم والتكنلوجيا و لها من الرصيد العلمي والمعرفي والتقني ما يجعلها تصل إلى حد التنبؤ بالتحول قبل الوقوع وأثنائه، مما يجعلها مواكبة للتغيير غير متفاجئة به، وبالتالي تكون الأكثر أمما منتفعة به عن غيرها والأقل أمما تضررا، إن كان للتغيير أثر سلبي علىالإنسانية.

وإذا رجعنا إلى الكون بأكمله ،وتأملنا في ماخلقه الله في البدء، وجعله مصدرا للحياة وأمارة للبقاء والإستمرار، نجد أن كل شيء في الكون يعبرعن الإستمرارية والتغيير، وأن صفة الكمال مرتبطة به وحده ، وأنه الوحيد المنزه عن التحول والتغيير ، وهذا التغير ينعكس على الإنسان حسب الأحوال والظروف، والكون و الإنسان هما المفعولان بهذا التغير، غير أن الإنسان فاعل من جهة ومفعول من جهة ثانية، وأما الكون فمحكوم بالتغير من دون إرادة، ولا يتفاعل مع التغيير، بل يشكله، وهو عنصر فيه ، والحكم لأمر الله في ذلك ، وأما الإنسان بحكم العقل والسلطة والخلافة في الأرض، فإنه يسبق التغير أحيانا ويتهيئ إليه قبل الوقوع، ويسايره ويداريه ، وذلك بتهييئ الأسباب والوسائل والعمل على مواكبة التغيير وجعله في خدمة الإنسانية وصالحها، وإن كان من نفع، عمل على تعميمه، وإن كان من ضرر عمل على حصره وتقليصه وحتى تجنبه، ونبه الناس الى آثاره السلبية على الحياة والناس، و بالتالي امتلك الريادة في ذلك.

وأسباب التغيير كثيرة و متنوعة :

منها ما هو مرتبط بأنشطة الإنسان، سواء الإيجابية منها والسلبية، فأي عمل للأنسان إلا وله أثره على الكون، و على التغيير فيه، وهذا التغيير يبقى رهين تلك الأنشطة ، فإن أساء الإنسان التصرف أفسد الحياة ودمر الكون وبالتالي كان التغير سلبيا، وإن أحسن العمل والتصرف كان التغير الى الأحسن، وهنئ به الإنسان وسعد.

ومن التغيير ماهو مرتبط بالحياة والبقاء، وهذا التغير يبقى الفاعل فيه هو الله وحده دون غيره والناس مسيرون فيه فيقع عليهم هذا التغيير بمشيئة الرب وحكمه في الكون ، وهذا التغييريدخل في ناموس الكون ونظامه ، غير أن الله منح للإنسان القدرة على الفعل والتأثيرفي الطبيعة الكونية والعمل على الإصلاح والتطور وحتى التغيير النسبي ، غير أن هذا أحيانا ينقلب الى طغيان وفساد إذا انعدم الضابط الأساسي للفعل الإنساني وهو الدين والعقل.

ونماذج التغيير في الكون والإنسان كثيرة، وقد بحث العلم في ذلك وأنجز العديد من البحوث وقعد بعض النظريات بفضل ما تيسر له بحكم التطور العلمي والمعرفي الذي وصل إليه الإنسان ، فأتبث العديد من أشكال التغيير في الكون والحياة والإنسانية، وبقدر الإستمرار في الحياة والبقاء بقدرالإستمرار في التغيير، والعقل والعلم يؤثران ويفعلان في التغيير، وأحيان يشرحانه ويكيفان الحياة اليومية معه، غير أن الإنتقال من الحياة الفانية الى الحياة البرزخية تغيير مصيري شامل و رباني ليس فيه مجال للعقل والإدراك الإنساني .

التغيير الإيجابي

أخي في الإنسانية ، إن تدبير التغيير الذي يعرفه العالم لايجب أن يكون تدبير إذعان ، بل يجب أن يكون تدبيرا عقلانيا، تدبير يقبل ويرفض ويصحح أحيانا، تدبير يمشي وفق الفضيلة والأخلاق، وفق القيم الدينية والإنسانية النبيلة وفق كل ما هو صالح للكون ومن فيه وللحياة، ويعمل على حفظ وبقاء النسل البشري، تدبير يجلب النفع والخير ويدفع الشر والمضرة.

ليس كل تغيير أو تغير وقع أو سيقع يجب على الإنسان مسايرته، فمنه الخبيث الضار الذي كانت آثاره على الحياة والإنسانية في غاية السلبية ، فعلى الناس في مثل هذه الحالة مقاطعة هذا التغيير ورفضه ، وعند الضرورة العمل على منعه، فكم هي العديد من الأشياء التي أصبحت اليوم عند الناس عادة وشيء مألوف وهو في الحقيقة عيب ومخالف لطبيعة الإنسان بل وضار بها، ويحسبه الناس من التغيير وهو ليس من ذلك بل من القلب أي المقلوب والشذوذ المخالف.

أخي في الإنسانية عليك الثبات على الحق،لا تجعل التغيير يستهويك ويبعدك عن الفضيلة ، فيغير الشيء الحسن فيك ، ويغير إنسانيتك، فيجعلك كالآلة في هذه الحياة ،بلا عواطف ولا أحاسيس ولا مشاعر، لاتغير القيم النبيلة فيك، لاتغير الشهامة والوقوف الى جانب الحق فيك، ولا تنسى أن الحق في إنسانيتك، لاتغير ويقيمك وإيمانك بالله، فلا إنسانية بدون إيمان بالله، ولاإيمان بدون عقيدة، ولاعقيدة بدون دين، ولاتغيير في الدين الحق، فهذه الأمور من الثوابت التي لايجب أن يشملها التغيير ولاالتغير .

كن حريصا على الحق والحقيقة ، على الأخلاق والدين ، فإنه سيأتي زمان ، وهو قريب جدا، سيتغير الإنسان ليس في الشكل ولكن في القيم والإنسانية، وستتحكم فيه الآلة، والقانون الذي سيفرض عليه هو قانون الآلة، وسيمشي حسب العد والضوابط المادية والمعلوماتية للآلة، وسيكون الحاسوب هو المحرك الحقيقي لكل شيء، وقد يختلط دوره في بعض الأحيان مع دور الإنسان، وقد يشمل هذا التغير في الأدور حتى بعض الخصوصيات التي هي من خصائص الإنسان وقدراته ، غير أن ذلك سيكون من قبيل المغالطة والغلو في تقدير الألة وتعضيم قيمتها والإعتماد عليها إلى درجة الإقرار بصحة كل ما يصدر منها حتى في بعض الأمور البعيدة عن المنطق والمرتبطة بالعواطف والأحاسيس والمعتقد، ولن يتأتى هذا إلا لضعاف النفوس والإيمان، والإيمان بالإنسانية هو المنقذ من هذا الغلو، وتصحيح القيم والرجوع الى الأخلاق السبيل الأمثل للخلاص، والتمسك بالدين الحق الطريق الأقوم للإنسانية الحقة، بل هو الفاروق بين الحق والضلال، فلاتغير ولاتغييرفي الأخلاق والقيم والمبادئ بل يجب التمسك بالفضائل الإنسانية الموروثة والراسخة في الشرف والنبل عند الفضلاء من الناس من الرسل والأنبياء والأولياء والصلحاء والحكماء والزهاد وأهل البر والتقوى وأهل العقل والرأي السديد والمحبين للناس والمدافعين عن الحياة والإنسانية الحقة كما أرادها وخلقها الرب
.