الثلاثاء، 4 نونبر 2008

الســلاح الإنسانــي

عجبا من هذه الإنسانية،
عجبا من هذه المدنية،
عجبا من هذه الحضارة،
عجبا من هذه العلوم،
عجبا منا نحن البشر،
انشغلنا بما هو ثانوي،
وأهملنا ما هو أساسي،

الهم الوحيد لكثير منا هو الحصول على السلاح،
نعم السلاح ولا شيء غير السلاح،

سلاح الدمار والتقتيل والخراب،
سلاح الرعب والخوف والهلع،
سلاح المآسي والآلام ،
سلاح الظلم و الانتقام ،

سلاح الموت والفناء،
سلاح العنف والهمجية،
سلاح الكراهية و الحقد والضغينة،

سلاح الحرابة والعدوان،
سلاح الإستقواء والطغيان،
سلاح العار والخزي والخذلان،
سلاح ضد كل ما هو إنسان،

سلاح ضد الحياة، ضد البشر،
ضد الحضارة والحجر،
ضد الطبيعة وكل ما هو شجر،
سلاح لا إنساني لا يبقي ولا يدر،

فإلى أين نحن البشر سائرون؟
وتهافتنا على السلاح متمسكون،
وعلى السبق فيه متنافسون،
ومن أجل الفتاك فيه راغبون،
وبالطائل من الأموال منفقون،
غير مبالين ولا مهتمون،
لما سنقترفه من جنون،

إذا استعملناه وأقحمناه في المعارك و الحروب،
وأهلكنا به الحرث والنسل،
والرطب واليابس،
والضرع والزرع،

لا لشيء

نعم لا لشيء له قيمة،
وهل هناك أغلى من الحياة قيمة؟
ومن الحضارة الإنسانية أهمية،
ومن السلم والسلام والأمان أفضلية،

ترى ...
ما الحل والخلاص...
وما السبيل إلى الفلاح ...
وتجنب ويلات السلاح...
إنه الحب
نعم الحب والتسامح والإخاء ، وزرع المودة بين بني البشر، وربطهم بأواصر الرحمة و التساكن والتعايش، ونبذ العنف والكره والحقد .
فما أحلى الحب للإنسانية جمعاء ، ولو انفق سكان الأرض الأموال في سبيل الحب السلم بين بني البشر لسلمت الأرض، ولانصب التفكير في البناء والإنماء، وابتعد عن الحروب والاقتتال وجمع السلاح الفتاك.


فما أجمل الأرض بدون سلاح.
ويا ليث الناس يهتمون بالحب والإخاء.
وينسوا أنهم سيحتاجون يوما إلى سلاح.

الجمعة، 24 أكتوبر 2008

الأزمة العالمية

الأزمة العالمية
ليست مالية وإنما هي أزمة قيم.

هذه الأيام، انشغل العالم من حولنا بالأزمة المالية التي بدأت تعصف بأكبر المؤسسات المالية العالمية، وانعكس آثارها على اقتصاد الدول، وتأثر بشكل سلبي، وانهارت بعض الشركات وتصدعت، وفقدت الكثير من المكاسب الأرباح بل ومن الرأسمال، وتأثرت البورصات في الكثير من الدول، وانخفضت القيم والأسهم المالية، وانزلقت المؤشرات وفقدت العديد من النقط ، وانحدرت في المراتب.

كل هذا انعكس على الإنسان وعن حاله وأحواله، وتجلى ذلك في هرولته إلى البحث عن الحلول المالية والإقتصادية، لإيقاف هذا النزيف المالي، وإرجاع الأمور إلى نصابها، فاضطرب حاله، وانعكس ذلك على نفسيته، وفقد السيطرة على وضعه ، وهرول نحو الحلول الآنية ، عوض التوجه إلى الحلول الجوهرية الناجعة.

لكن، هل بالفعل هذه الحلول التي اتجه إليها المجتمع العالمي لحل هذه المعضلة هي الحل الحقيقي للخروج من هذه الأزمة؟ هل بالفعل الأزمة التي نعيشها هي أزمة مالية فحسب؟ أم الأمر أكثر من ذلك بكثير، و بالتالي ما هو الحل؟

أخي في الإنسانية، إن النظام المالي العالمي اليوم نظام جشع لا يرحم، يرتكز على الفوائد لتحقيق الأرباح، دون مراعاة للآخر، ويبتلع الضعيف عند العجز عن الأداء، لا مجال فيه للأخلاق، والقاعدة العامة عنده هو الربح وتحقيقه بأي شكل من الأشكال، وقد سار على هذا النهج كل الرأسماليين والشركات العملاقة، حيث تقوى رصيدها المالي بهذا الشكل، وأصبحت الحلول التي تقدمها هي الحل والخلاص في نظر قصار العقول والضعاف أمام المال والثروة، الذين يعتبرون هذا الغناء هو النموذج الأمثل لإتبات الذات وتحقيقها.

ومن الخطئ الاعتقاد أن امتلاك الثرة هو أقصى ما يمكن أن يحقق السعادة في الكون عند الإنسان، لأن الثروة وإن ملكت ما ملكت منها تحت تصرفك، ليست هي الخلاص الوحيد عند الأزمات، بل تكون هي السبب فيها، وبالتالي يكون الخلاص هو توزيعها و العمل على تداولها بين الناس عوض احتكارها.

إن ضخ هذه الجبال من السيولة النقدية في الأبناك المهزوزة والمضطربة، والتي أبانت عن قصورها في حل هذه المعضلة المالية العالمية، لن يحل الأزمة، وإن حصل و وقع و أرجع الحياة والدفء فيها، فإن ذلك فقط إلى حين، وعندئذ ستظهر أزمة أشد وأقوى، ولن تحل بسهولة، وستكون آثارها على الإنسانية أمر وأخطر، لأن السبب في ذلك مازال قائما.

أخي في الإنسانية، إن العالم الذي نعيش فيه اليوم غارق في التناقض و الإختلاف، حيث انقلبت الأمور عن حقيقتها وأصبح الصحيح هو الخطأ، وعوض أن يتجه الناس إلى الحلول الحقيقية للأزمة وينطلقوا من السبب أو الأسباب التي كانت وراء استفحالها، اتجهوا نحو المسكنات التي سوف لن تحلها و إنما ستهدئها و ستسكنها.

إن عالما اليوم، وبسبب نظامه المالي الحالي، مقسم إلى عالمين متناقضين، عالم الأثرياء الذين يتحكمون في الأموال ومصدر القرار، وعالم الفقراء الغارق في الآفة والحرمان ، المليء بالمساكين و الجياع و المهمشين. إنهما عالمين على طرفي نقيض، وبينها هوة ساحقة من الفوارق، لا يمكن تصور حجم قعرها إلا من خلال المشاهد الروعة والمؤلمة التي تجود بها وسائل الإعلام لنا كلما سنحت الظروف لذلك.

نعم، إنه عالم المتناقضات والذي لا يمكن أن نجني منه سوى هذه المشاكل التي ستتوالى علينا وستتكاثر، وستكدر علينا الحياة وتمس الاستقرار، وستكون السبب في انهيار الحضارة الإنسانية لا قدر الله.

لكن، أين هو الحل ؟ وما هو الطريق الصحيح للنجاة ؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟

أخي في الإنسانية الحل الوحيد لهذه الأزمة هو توزيع الثروة بين الناس، وأن يشمل هذا التوزيع جميع الشرائح في العالم بدون استثناء ، وأن لا يكون التوزيع عبارة عن صدقات وهبات، بل لابد من برامج للتطوير والمواكبة والتتبع، وخلق الفرص للجميع من أجل الاندماج والتواصل، وفتح الباب للتعارف بين الأمم والشعوب، وإزالة الحواجز بينهما، فالكل في حاجة إلى الآخر، والكل يكمل الأخر.

والطريق الصحيح إلى هذا الحل هو الرجوع إلى الله، و العمل على اتباع نهجه القويم، الذي هو مذكور في كتبه السماوية الحقة، والعمل على تطبيق وصايا أنبيائه للناس، بدون تمييز بين أنبيائه، فكلهم يحملون رسالة واحدة للخلق من الله، غايتها تحقيق سعادة البشر في الأرض، وتكريس العدل والمساواة بينهم، وخلق الألفة والمودة والرحمة بينهم، والعمل على تطبيق القانون الرباني فيهم الذي ينبني على الحب واحترام الحياة والإنصاف.

والسبيل إلى ذلك يكمن في العديد من الإجراءات التي تنصب كلها في تحقيق العدل وتوزيع الثروة بين الناس بالحق، وعدم العمل على احتكارها عند الأقلية من الناس، ومن هذه الإجراءات، بل ومن أهمها :

* التضامن بين الناس دون اعتبار لقوميتهم ولا لوطنهم ولا لعرقهم، لأنهم يجتمعون في الإنسانية جميعهم، خاصة عند اشتداد الأزمات؛
* إسقاط التعامل بالفوائد الكبيرة بين الناس عند التعامل بالقروض؛
* عدم إثقال كاهل الرأسمال بالضرائب؛
* تحديد سقف الضرائب على الربح في إثنين ونصف بالمائة؛
* العمل على توزيع الثروة بين الناس حسب المردودية؛
* تكريس مبدأ الثقة بين الناس في التعامل فيما بينهم ؛
* خلق شراكات بين الناس ولو اختلفت أعراقهم؛
* التصدق بالفائض من الإنتاج على المعسرين من الناس في شكل مساهمات في مجال التنمية المستديمة؛
* الرجوع إلى الأخلاق الفاضلة عند التعاملات بين الناس.

أخي في الإنسانية لو رجع الناس إلى الله وإلى كتبه السماوية الحقة، وطبقوا دين الله الصحيح في حياتهم ، والتزموا أوامره ونواهيه،وتحلوا بالأخلاق الفاضلة ، ما وقعوا في مثل هذه المشاكل و الأزمات، ولو عادوا إلى الله ورسله لوجدوا البلسم الشافي لكل أمراضهم وعللهم، فارجعوا إلى الله يا أيها البشر،
وانشروا الحب بينكم يحببكم الله،
وتعاونوا في الخير في الشدة والرخاء، يصلح حالكم।

الجمعة، 8 غشت 2008

عـدو الإنسـانية


إنسانيتك هي رأسمالك الحقيقي،
وهي هويتك الحقيقية،
وهي تعريفك الدائم،
وهي جنسيتك الأصلية،
بها تحيى،
ومن أجلها خلقت،
عليها يجب أن تموت،
ومن مات على إنسانيته خلد،
وعند الناس حمد،
و عند لقاء الله ربه سعد،
ومن شقاء وعذاب الآخرة بعد.

ولابد من الدفاع عن الإنسانية والدود عليها من كل عدو ومكروه، وأكبر أعداء للإنسانية، هم مروجوا الحروب والموت والداعين للكراهية والزارعين للأحقاد والفتن بين الناس، وعبدة الشيطان وجنده، فهؤلاء أعداء للإصلاح والسلام والحب والأمان.

أخي في الإنسانية،
لا تكن عدوا للبشرية فإن كنت كذلك فأنت لست بإنسان،
أين الإنسانية لمن هو ضد السلم والأمان،
ورافعا لواء الحرب و القتل والفتن بين الناس،
أين الإنسانية لمن هو ضد العلم والمعرفة، وهو غارق في الجهالة والتخلف،
أين الإنسانية لمن هو راغب في إفقار وإضعاف البشرية وزرع الفقر والحرمان بين الناس والفوارق،
إنه ليس بإنسان.

أخي في الإنسانية،
لا تكن عدوا للأديان ،
لأنك إذا كنت كذلك فأنت لست بإنسان،
أين الإنسانية لمن هو ضد الأخلاق والنبل والبر والإحسان،
ميالا للفساد والقبح والطغيان،
أين الإنسانية لمن هو ضد القيم الحميدة الحسنة غارقا في الرذائل والشهوات الساقطة،
أين الإنسانية لمن هو ضد الأمر بالمعروف والداعي للمنكر والعار، أين الإنسانية لمن قلبه فارغ لا إيمان فيه مغلف بالكفر والشرك والإلحاد.

أخي في الإنسانية،
لا تكن عدو للحياة والناس فإن كنت كذلك فإنك عدو لله،
فالإنسانية من الله ومن حارب الإنسانية فقد حارب الله ، ومن دافع عن الإنسانية فهو مع الله

الجمعة، 16 ماي 2008

خريطة طريق الإنسانية

خريطة طريق الإنسانية


أحيانا، وخاصة عندما يختلي الإنسان بنفسه، ينتابه شعور خاص وغريب، يتحرك بين ثنايا أضلعه ويسأله تارة:هل بالفعل هو إنسان صالح يعمل لصالح الإنسانية ؟ هل له مكان مع الإنسانيين الذين سيشملهم هذا للقب والذين سيكونون لا محالة من الفائزين إن صدقوا في عملهم مع الله وأخلصوا لدينه؟ ويدفعه تارة أخرى إلى التفكير في الطريق الاقوم والقريب إلى الحق، وإلى الحقيقة الإنسانية، لينعم بالسعادة المطلقة في الحياة قبل الممات.

كل هذه الأسئلة وغيرها سوف يجد الجوب عنها من خلال خارطة طريق الإنسانية التي أضعها بين يديك أخي في الإنسانية لتنعم بدفء الإنسانية، وتسعد بنور الحق فيها، وتفوز بالحب في الدنيا والفلاح في النهاية.

لكن قبل كل هذا لابد عليك أن تعرف معنى الإنسانية التي نقصد، والطريق التي سنتبع من أجل تحقيق مقاصد الإنسانية في الفرد أولا وفي المجتمع ثانيا، واعلم أن الطرق في ذلك شتى، وكل يرغب في الوصول إلى الحقيقة، فالعامة من الناس يتدينون ويقلدون الخاصة للوصول إلى كمال الإنسانية، والخاصة من الناس يستعملون بصائرهم للوصول الى الإنسانية، وأهل التصوف أصحاب الأحوال يسبحون في الكمال للوصول لها، وهناك خاصة الخاصة وهم العارفون بالإنسانية والمتشبثون بالحق والطريق الحق، ومن هذا كله وغيره فالصحيحة واحدة،

الطرق شتى إلى الإنسانية؛
وطريق الإنسانية الحقة مفردة؛
و سالكو طريق الإنسانية؛
من القلة أفراد.

واعلم أن الإنسانية الحقة هي سلوك فردي وجماعي تتجانس فيه جميع القيم التي نادت بها الديانات السماوية وأقرها العقل الإنساني السوي، وهي ارتباط مع الحياة والوجود وسائر المخلوقات وفق الضوابط الربانية والقواعد الكونية التي تسري على الجميع ضمن منظومة واحدة وموحدة من أجل الإستمرار في الحياة وتحقيق السعادة في الكون.

واعلم أن الإنساني هو من تحققت فيه هذه الإنسانية، وانضبط بالضوابط الربانية في الحياة، وعمل على نشر ذلك بين الناس بالعقل والحكمة، وابتعد عن استعمال الشدة في الأمور كلها، مغلبا الرحمة والتسامح والإحسان عن الثأر والإنتقام، وهذا كله من الأمور التي حث عليها الله في جميع كتبه التي أرسلها للناس عبر الأنبياء والرسل، للدفع بتحقيق الإنسانية في الناس والارض كلما زاغوا وغلبوا الآدمية وحب الشهوات، واتبعوا الهوى وغرهم الشيطان وأزلهم عن طريق الحق طريق الانسانية.

لكن للوصول إلى الحقيقة الربانية، وتحقيق المقاصد الإنسانية في الخلق،لابد من المرور عبر مجموعة من المراحل والمحددة في ستة مراحل عبارة عن محطات متسلسلة توصلك في النهاية إلى الإنسانية الحقة ،وتجعلك في الطريق الصحيح إلى الله منبع الإنسانية.


المرحلة الأولى

وتبتدئ هذه المرحلة بالإيمان بالله ،وبوحدانيته، وإنه وحده صانع الكون ومنظمه ، وأن الإنساني الحق في الكون هو خليفته، ولا يتحقق هذا إلا بالرجوع إليه، لأنه هو واهب الإنسانية ومانحها وجاعلها السمة التي تجمع الناس وتجعلهم عنده سواء، والإيمان بالله يمر عبر ثلاث هي:

& الحواس: فالإيمان بالله عبر الحواس سمة العامة والمبتدئين، ولكي تنضبط في طريقك لتتحقق فيك الإنسانية، لابد أن تنضبط حواسك في البداية، فالعين عندما تنظر إلى عظمة الكون وكبره، تقتنع في بصرها إلى أن الله حق، فتتحقق ألوهية الله في البصر، والأنف عندما يستنشق الهواء ويسري في الجسم بالنفع والفائدة، فيحيا الجسم لعبادة الله والعمل صالحا، وهكذا بقية الحواس .

& العقل: هذا النور الإلهي الذي وهبه الله للإنسان، وهو مظنة التكليف، وقد خاطب الله الإنسان من خلاله، وهو الفاصل الذي يميز الآدمي عن الحيواني، والذي يستعمل هذا العقل في الإيمان بالله وعبادته هو من العلماء المؤمنين ، وإن عمل بالإيمان بالله فهو من العاملين، والجمع بين العلم والعمل يصنف العالم في مصاف الإنساني الحق الذي يقدر المسؤولية التي من أجلها هو عالم ووارث للحكمة من الأنبياء والرسل.

& القلب : وهو المضغة التي وضعها الله في الإنسان وهي مقياس كماله وتمامه ، و بها ينطلق ويسمو إلى مراتب الكمال، والإيمان بالقلب تمامه وكماله، فإن وقر في القلب واستقر سعد الإنسان واكتملت إنسانيته.





المرحلة الثانية

وهي مرحلة التطهر والنقاء ، وهذه المرحلة تضفي على الإنسان الإستقرار والطمأنينة وتجعل شخصيته تقوى، وهي نوعان:ظاهرية وباطنية.

& وطهارة الظاهر تكمن في الإعتناء بالجسد وتنظيفه، ولها من الفوائد على النفس الإنسانية ما لا يمكن حصره، فبالطهارة يحس الإنسان بالراحة وينعم بالإستجمام، ويتفتح له دهنه، وتنشرح أساريره، وبتالي ينعم في الفهم والإدراك، زيادة على تمظهره بالمظهر الحسن المقبول عند الناس، فيحس بنظرات الإحترام تجاهه، مما يزيد في تقوية معنوياته، ويساعده هذا على العمل من أجل الإنسانية بكل ثقة وتفان.

& وطهارة الباطن وهي الأرقى والأفضل، وهي طهارة النفس والجوارح من الغل والحقد والأنانية والحسد والكذب و الغش والكراهية والبغضاء وكل الشوائب التي تسبب في نشر التفرقة بين بني البشر، وتعطل العمل الإنساني بين الناس، وهذه الطهارة تجعل من الآدمي إنسانا صالحا، وتقربه إلى الله بقدر صفاء وطهارة باطنه، لأن هذه الشوائب هي التي تحول دونه و التواصل مع الرب .

المرحلة الثالثة

وهي مرحلة الحب، وبهذه المرحلة يغرس الفرد الواحد أواصر الألفة والتعايش بينه وبين الآخر كيفما كان جنسه ولونه وعرقه، فالحب لا يعرف التمييز والتمايز، وحب الإنسان أعلى مراتب الحب وأرقاها، وأساسه الإيمان والتصديق، و من أحب الناس أحب الله، وقد يكبر هذا الحب وينقص حسب صدق وإخلاص الإنساني، وهو بخلاف المودة والألفة التي تجمع بين الرجل وزوجته، أساسها العاطفة والوجدان، والحب كما يشمل القريب يشمل البعيد.

& وحب القريب، من الزوج، والزوجة، والأولاد، والآباء، والأهل، والأحباب، وكل من له صلة قرابة أو مصاهرة، وهذا الحب يتفعل عن طريق التواصل والصلة مع الجميع، وعن طريق تبادل الزيارات سواء في المناسبات أو غيرها، وعن طريق الإنفاق، والهدايا، والإحسان لضعافهم، والبر والاحترام لكبارهم.

& وحب البعيد من العامة من الناس كيفما كان نوعه ووطنه وعرقه ودينه، المهم إن تحب إنسانيته، وهذا لن يتأتى إلا بالتضامن معه في محنه ومساندته، وتقديم العون والمساعدة له عند مصائبه، والدعاء و الصلاة له في حياته ومماته.


المرحلة الرابعة

الإحساس بالإنسانية، والترفع عن الآدمية و البشرية، وهذا لن يكون إلا بما يلي :

& أن لا يكون الطعام والشراب هو شغلك الشاغل؛
& أن لا يكون النوم غايتك في الحياة؛
& أن لا تتغلب شهوة الجماع على تفكيرك؛
& أن يكون وازع الدين حي فيك؛
& أن يكون السلم في الكون همك الكبير،
& أن يكون الحرص على إسعاد الآخر عملك الغالب؛
& أن يكون ما تملك من مال وسلطة ونفوذ في خدمة عامة الناس.




المرحلة الخامسة

وهي المرحلة التي يتوجه فيها الإنسان إلى الله بجسده وروحه ، وهذا التوجه يكون عبر مجموعة من الطقوس التي يزاولها الواحد منا في يومه بشكل منتظم، وفق مجموعة من الحركات المنتظمة والمحددة سلفا من الشرائع السماوية، والمفصلة بالطرق التي بينها الأنبياء والرسل للناس حتى يقوموا بها على الوجه الأكمل والتام.

والتوجه إلى الله بالجسد يكون بترويض الجسم على الانصياع والطاعة لله والانضباط لأوامره، وعدم منحه الحرية المطلقة في الفعل بدون رقيب ولا حسيب، ولترويض الجسم لابد من القيام بالطقوس للمخصصة لذلك ، وذلك عن طريق القيام بنوع من الصلوات التي يشترك فيها الفعل والقول، والفعل مرتبط بالحركة، والعمل الخيري الصالح، والقول مرتبط بالإقرار، وقول الحق والصدق، و هنا يحصل الاندماج الحقيقي.

والتوجه إلى الله بالروح يكون بإطلاق العنان للوجدان الداخلي للإنسان كي يسبح في ملكوت الرحمان بدون تردد، فينعم في سعادة وإحساس بالقرب من الله والصلة به، وذلك عبر الصلوات الباطنية والإنشغال الذهني لفعل الخير والعمل به، والإيثار والتضحية في سبيل الإنسانية وسعادة الإنسان كيفما كان.

المرحلة السادسة

وهذه المرحلة هي البداية الحقيقية لإنسانيتك، حيث تكتمل إنسانيتك ، ويحصل إرتباطك الكلي مع الله بشكل يجعل الله أحب إليك من سواه، فتستشعر الله في كل شيء فيك، في سرك وعلنك في حركك وسكنك في فرحك و قرحك في انشراحك وغضبك، فهو واهب الإنسانية ومنشؤها في الخلق، وبالتالي تصبح الإنساني المدافع عن الإنسانية من إي شكل من اشكال الأخطار .

الجمعة، 4 أبريل 2008

الدفاع عن الإنسانية



الدفاع عن الإنسانية

قد يتساءل المرء أحيانا، وهو يتأمل الوضع المتردي الذي عليه العالم اليوم من جميع النواحي، إلى أين يتجه؟ وكيف سيكون مصيره ومآله؟ وكيف يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ بل وكيف يمكن له الدفاع عن الإنسانية؟ ومن أين سيبتدئ وماذا سيقدم وماذا سيؤجر؟

لقد سبقت وأن تحدثت عن الواقع الإنساني في ما سبق، وسوف أحاول الدفاع عن الإنسانية ، الموضوع الذي يؤرقني بالتفكير فيه كلما وقع نظري على واقع مر أو مر أمامي حادث مفجع ، سأبدأ بالطفل لأنه الأكثر معاناة و تعرضا للظلم والقهر، وأختتم بالدفع عن الإنسانية في النهاية، مرورا بالعديد من النقط التي أرى من الضروري بمكان الإحاطة بها والدفاع عنها.



الدفاع عن الطفل


هذا المسكين، اليرقة الأساسية في الإنسانية، والتي حثت جميع الديانات السماوية على العناية والاهتمام به، كم هو يقاسي من سوء تصرف البشر الذين يعيشون حوله، ويتصرفون بدون أدنى اعتبار لمشاعره البريئة، وأحاسيسه الرقيقة، دون اعتبار لما أوجبته الأديان السماوية، ودعت إليه الأعراف والنظم الحياتية،وأقرت به القوانين الوضعية الكونية .

الطفل الذي يعاني من داخله، يعاني لأن كرامة الطفل تنداس تحت وطأة أقدام السياسي الذي يستغل حقه و اسمه في السياسة، لتحقيق مآربه الدنيوية، والدفاع عن مصلحته السياسية، يعاني لأن الآلة العسكرية الحربية في كل مكان تسحق جسده الطري الطاهر وتمزقه شر ممزق، يعاني لأنه أصبح الطرف الضعيف عند كل خلاف أو نزاع، وسوف يعاني منه أو يعاني منه أخوه في الطفولة الذي سيكون من سوء حظه تواجده في بؤرة النزاع المخلوقة التي كان بالإمكان تفاديها اعتبارا للطفولة التي قد تداس عن قصد أو غير قصد، يعاني لأن الحياة أصبحت قاسية وصعبة وأصبح يتحمل الكثير مع الأسرة، يعاني كلما وقع نزاع أو خلاف بين الأب والأم بسبب من الأسباب، يعاني لأن الكبار دائما في خلاف ونزاع وتضاد فيما بينهم بسبب اختلاف الرأي الذي هو فضل الله على الإنسانية لتتنوع المدارك ويجتنب الناس المفاسد.

أفلا ينظر الضمير العالمي إلى الأطفال البؤساء والمشردين والفقراء والجياع والمضطهدين والمهجرين الذين لا مأوى لهم والمحرومين من عناية الأسرة في بقاع هذا العالم الترامي الأطراف، ألا يستحيي وهو يعلم أن هناك أطفال يقتلون و يموتون في حروب ونزاعات أشعلها الحقد الذي أسسه الكبار وجزوا الصغار فيه، فعوض أن يحمل الطفل القلم ويتعلم، يحمل السلاح ليقاتل ويحارب، وماذا يقاتل؟ الوهم؟ وليس سوى الوهم، إن العدو الذي يعتقد الجميع أنهم يحاربونه ليس في الحقيقة سوى عدو الوهم، والعدو الحقيقي للإنسانية و هو الجهل، نعم الجهل بإنسانيتنا وأخوتنا، فالله الذي خلق الإنسانية لتتواصل فيما بينها وتتعارف، لا لتتنازع وتتعارك، ومنح للطفل حقوقا في الرعاية منذ أن هو في عالم الغيب وقبل أن يكون ، حيث جعل الرابطة التي تنشئ الطفل رابطة شرعية تنبني على الزواج لا على السفاح، وإن وقع يصلح بالزواج، تم منحه العناية وهو في رحم أمه، وبعد خروجه من الرحم ، وأتبعه بالعناية في المهد والصغر إلى سن الرشد والتكليف، عندها يكون الطفل قد نضج واستقام ، ولن تجني من الذي استقام غير النفع والخير।

الدفاع عن المرأة


ما أحلى هذا الإسم،
وما أحبه عندي ،
وكيف لا يكون وتنشئتي الأولى في رحم المرأة،
وخروجي إلى الحياة من بطن هذه المرأة،
وأول وجع أحدثته يقع على هذه المرأة،
وأول جرعة حليب ارتشفها من ثدي هذه المرأة،
وأول لمسة حنان أحس بها من يد هذه المرأة،
وأول قبلة أنالها من ثغر هذه المرأة ،
أنام وتبقى هذه المرأة ،
آكل قبل أن تأكل هذه المرأة ،
أشعر بالدفء على حساب هذه المرأة،
أمرض فأورق هذه المرأة،
أسعد فينعكس ذلك على هذه المرأة،
أتعس فتشقى بذلك هذه المرأة،
أحيا فتنعم هذه المرأة،
أموت فأسبب الحزن لهذه المرأة،
وأول حب لي في الحياة يكون لهذه المرأة،
وأول شريك لي في الحياة تكون هذه المرأة،
وأول من سيسعدني في بلوغي تكون المرأة،
والرفيقة والصاحبة في الحياة المرأة،
نعم المرأة ،ونعم المرأة،
وما أحلى المرأة.

لكن، و ياأسفاه عن الوضعية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعيشها المرأة في هذا الكون ، ماذا قدمت هذه القوى التي تتحدث عن الدفاع عن المرأة وحقوقها ، ماذا جلبت للمرأة هذه التحركات التي تكون هنا وهنالك بإسم نساء العالم؟ إن أول حق يجب أن يتحدث عنه في هذا الموضوع وهو إنسانية المرأة، والدفاع عن الإنسانية في شخص المرأة، الأكثر مخلوقا في الكون إنسانية، لكن ومع الأسف الشديد يحاول البعض اليوم أن يجرد المرأة من هذه القيمة الكبيرة التي ميزت بها وفضلت بها من الرب لما خلق وصنف الخلق، نعم يريدون أن يحولوا المرأة إلى بضاعة، يريدون أن يزيلوا عن المرأة تاج السكينة واللطف والحب والمودة والرحمة ويحولونها إلى مخلوق آخر يمشي وفق طموح ورغبة البعض بعيدا عن الفطرة والحكمة الربانية في الخلق.

أختي في الإنسانية، لا فرق بينك وبين الذكر في شيء عند الله، كلنا من نفس واحدة وكلنا مستخلفين في الأرض، وكل لما خلق له، والذكر والأنثى في الإنسانية واحد، وعلى الجميع أن يدافع عن الإنسانية حسب جهده وطاقته.


فقبل الشغل، وقبل السياسة، وقبل الإقتصاد، وقبل أي شيء آخر، لابد للمرأة أن تعيش في كرم وتكريم ، وأن توضع في المكانة اللائقة بها، المكانة التي وضعها الرب فيها، وأٌقرتها الأديان السماوية كلها، وهي أم الإنسانية كلها، وما تحمله هذه الكلمة من معنى.



الدفاع عن الرجل


من دافع عن الإنسانية فقد دافع عن الرجل، والدفاع عن الإنسانية في شخص الرجل لا تنحصر في الحقوق التي أقرتها القوانين والمواثيق الدولية الإنسانية وغيرها، بل الدفاع عن إنسانيته وعن حقه في الحياة وحقه في كونه راعي ، ولابد على المجتمع أن يوفر له الوسائل التي بها يستطيع القيام بالمسؤولية التي كلف بها من الله، ومسؤولية الإنسان في الخلافة في الأرض لا تنحصر في القيام بالمهام التي يقوم بها لإشباع الغرائز، بل يتعدى ذلك إلى القيام بالواجبات في حق الناس والحياة والله، على اعتباره مكلف عاقل.

الرجل لا يمكن أن يكون رجلا إذا لم يختزل قيم الإنسانية فيه، لأنه سينقلب بعد ذلك إلى آدمي بلا بشاعر ولا أحاسيس، ولا إنسانية، فمنطلق الإنسانية الرجل، فالله لما خلق الإنسان في أو وهلة خلقه من طين، صلصال بسيط، ثم وضع فيه الروح ، وهي نفحة ربانية جليلة سامية و هي التي تختزل القيم الإنسانية الكبيرة ، وبقدر ما تنال هذه النفحة الربانية حقها بقدر ما يكون آثار ذلك إيجابيا على الإنسان والحياة، وبالتالي على الكون ككل.

و أول الحقوق و أعظمها هو الحق في العبادة والتوجه إلى الله في الصلوات والتراتيل، ولابد من توفير الظروف الملائمة للعبادة بحرية وبدون قيود؛ فلا يحق لأحد أن يمنع الآخر من التعبد، إذا كانت تلك الطقوس لا تسيء إلى الديانات الأخرى، بل يجب الدفاع عن هذا الحق والوقوف إلى جانب المتضرر حتى يرجع له هذا الحق.

إن الدفاع عن الرجل لا ينحصر في الدفاع عن حقه في العبادة بل في حقه في احترام مقدساته وعدم المساس بها من قبيل السب والقذف و التهكم أو الإزدراء والإفتراء عليها وغير ذلك، وحترام دور عبادته،و العمل على التعايش معه باحترام و في سلام وأمان.

ومن الحقوق التي يجب الدفاع عنها حقه في العيش الكريم، فبالله عليكم، كيف يعيش الإنسان في هذا الكون؟ ليس ذلك الميسور الغني الذي يتوفر على الزائد من الإمكانيات، أو الذي يعيش في كفاف تام ، بل هنا الحديث عن المحرومين الضعفاء ، الذين يعانون أشد المعانات حتى في أوطانهم ، والأشقياء المحرومون من كل الحقوق؟ كيف لهذا الإنسان أن يسمى إنسانا وقد أهينت حتى آدميته ، حتى من اللباس كي يواري به جسده محروم منه، ناهيك عن الأكل والماء الذي جعل الناس فيه شركاء.


الدفاع عن الأسرة

لا يمكن الحديث أن نتحدث عن الأسرة إذا لم نستوفي العناصر التي تكونها حقها، فيثرى:
هل أنصفنا الرجل قوام الأسرة،
هل أكرما المرأة أساس الأسرة،
هل رعينا الطفل مستقبل هذه الأسرة وامتدادها،
هل عملنا على الحفاظ على السكينة داخل الأسرة،
هل حققنا حكمة الله في تشكيله للأسرة،
هل عملنا على توفير الإمكانيات لتماسك الأسرة،
هل ما نضعه من قوانين تخدم الأسرة،
هل بالفعل نحب الأسرة،
هل بالفعل نحترم الأسرة،
وهل بالفعل ندافع عن الأسرة.


الدفاع عن المخلوقات والطبيعة

يكفينا ما اقترفناه من إجرام وهدر للمخلوقات التي خلقها الله في هذا الكون ليسعد بها الإنسان من جهة ويتحقق بها التوازن في الأرض من جهة ثانية، لقد حان الوقت ليقف الجميع ، كل من هو إنساني حق، أن يقول كفى من إعدام هذه المخلوقات التي تعيش معنا في هذا الكون ، لقد طفح كيل هذا العمل غير المسؤول في حق الإنسانية، لم نوقر المخلوقات التي في البر، ولا التي في البحر، ولا التي تطير في الجو، الكل أصابه التدمير بسبب سوء تصرف بعضنا من المتهورين غير المتصفين بالمسؤولية التي ألقاها الله على عاتقهم وهي استغلال هذه الثروات بالشكل الذي يجعلنا نحافظ عليها من الزوال.

وبالله عليكم، كم نوع من الكائنات التي انقرضت بسبب سوء تصرفاتنا، وفرط استغلالنا لها، ماذا جنينا بعد ذلك سوى حرمان الأجيال التي أعقبتنا من ذلك النفع، وبالتالي الخسارة الكبيرة في الكون من عدم الإنتفاع بها وبوظيفتها التي سيرت من أجلها.

إن المخلوقات الطبيعية من الغطاء النباتي البري والبحري تعرف تدميرا خطيرا واستغلالا مفرطا من البعض منا والذين لا يهمهم سوى أنفسهم ومن بعدهم فليقع ما سيقع، المهم أن يتحقق لهم نفعهم على حساب الكون والأجيال التي ستأتي من بعد.

أخي في الإنسانية كم هي الغابات التي دمرناها وقتلناها بسبب الاستغلال المفرط والزائد للخشب، وبسبب ما تنفثه المعامل والمصانع والسيارات وغير ذلك من النفايات السامة، أو بسبب الحرائق التي تأتي على الغابة عن قصد وعن غير قصد ، وبسبب سوء تصرف بعض الناس منا.

إن حماة البيئة هم نحن، لهذا يجب على الإنسانية أن تقف ضد كل عمل يتسبب في تدمير الطبيعة، لأن ذلك تدمير للحياة وبالتالي تدمير للإنسانية، علينا أن ننطلق من أنفسنا ونترفع عن القيام بشيء نسبب فيه الأذى إلى المخلوقات الكونية.

أخي في الإنسانية ، الطبيعة حية وكل شيء فيها حي ، وله إحساس حتى الحجر الذي نعتبره من الجماد الذي لا يتحرك، لأن الله بعلمه وحكمته جعله كذلك ليحدث توازنا في الطبيعة ، لا يعلم ذلك إلا هو والراسخ في العلم والمتمكن من أسرار الكون والحياة والطبيعة، وهذه المخلوقات كلها ستبقى شاهدة علينا وعلى أفعالنا.


الدفاع عن العمران

العمران من الإرث الإنساني الذي تشترك فيه الإنسانية كلها، وهو من الثروة المسخرة لصالح الإنسان فوق الأرض، فكل بناء أو تشييد للعمران على وجه البسيطة حق للناس كلهم، ولو حتى بالنظر إليه، إذا كان مالكا خاصا للبعض لا يسمح بالتصرف فيه، فكيف بالأحرى تلك الأبنية التي تم تشييدها منذ القدم، أصبحت من الآثار الإنسانية الخالدة التي يجب الحفاظ عليها، وعدم المساس بها وتدميرها أوإتلافها وإزالتها، إلا إذا دعت المصلحة العامة للإنسانية إلى ذالك واتفق عليه.

وسلامة العمران لا تكمن في الحفاظ عليه أيام السلم و الهناء، بل حتى عند الصراع و الحروب، و يجب أن تراعى للعمران حرمته، فلا يقصف ولا يهدم ولا يحرق ولا يتعرض إلى أي إفساد، والبناء حضارة والتدمير إرهاب ووحشية، والإنساني الحق هو الباني ، وببنائه يكرس إنسانيته، والاستخلاف في الأرض علته البناء والتشييد، وبقدر التشييد والبناء تتحقق الحياة، غير أن الغلو في البناء واستهلاك الأرض في العمران الزائد على حساب الطبيعة والأرض والفضاء الطبيعي مفسدة ، وآثارها القبيحة على الإنسانية والحياة، لا محالة متحققة وواقعة إن عاجلا أم آجلا.


الدفاع عن الثروات والركاز


وكما يجب الحفاظ على ما فوق الأرض من العمران، يجب الحفاظ على ما تحتوي عليه الأرض من الخيرات ومن الثروات الباطنية، والتي جعلها الله موردا للإنسانية لتعمير الأرض، وإقرار للعدل والحق في الكون، ومنبعا للحياة و الإستمرار، وإشراك الناس في كل ذلك وفق الحق والأنصاف بعيدا عن الغلو والشطط والتطفف، والأنانية وحب النفس، وكل مسؤول قدر علمه وقدرته على إقرار الحق والعدل.

إن باطن الأرض غني بالإرث الحضاري وغني بالمعادن، وأهم شيء في باطن الأرض وأكثره قيمة للحياة الماء، هذه النعمة الكبيرة التي هي مصدر البقاء، وبزوالها تنتهي الحياة، تتعرض كغيرها من النعم التي حبانا بها الله ليسعد الإنسان ويهنئ للإسراف في الإستغلال بغير حق ولا عدل فكم من الناس يموتون عطشا ويشربون مياها غير صالحة الحياة والبعض منا يبذر تلك الثروة بغير حق، وكما يحدث ذلك في الماء يحدث في المعادن الأخرى، وما أكثرها، والتي جعلها الله للناس كلهم ، وهم فيها شركاء كالهواء والذي هو الآخر لقي من التلوث والفساد ما لقيه غيره من مصادر الحياة في الكون.


الدفاع عن الكون


مسكين هذا الكون،
عم فيه الفساد،
وكثر فيه الإفساد،
وبغى فيه المفسدون
وفضل فيه الفاسدون،
وأهل الحق والعقل مفسدون،
الصدق من الفساد،
والكذب والنفاق يجنب الفساد،
والحرب والتدمير ليس فسادا،
والدفع عن المظلوم ونصرة الضعيف هي الفساد،
قتلة الأبرياء من الأطفال والنساء ليسوا فسادا،
والمطالبون بالحقوق من أهل الفساد ،
فمن يحمي الكون من الفساد،
والمفسدون في الأرض كثر،
وبكثرتهم يخشى على الكون من الفساد.

الدفاع عن العلم والمعرفة

العلم هو السلاح الوحيد الذي يبقى بين الصلحاء لتجنب خراب هذا الكون، ولا يمكن أن يتأتى هذا إلا بالدفاع عنه ، فالجهل عدو العلم وعدو الحضارة وعدو الإنسانية، هذا الجهل الذي بدأ ينتصر على العلم وأصبح الناس يبتعدون عن العلم الحقيقي الذي يقرب إلى الله وإلى الحقيقة، وكلما ابتعد الناس عن إنسانيتهم إلا جهلوا، وكلما جهلوا إلا وقتلوا المعرفة في الكون، وإذا قتلة المعرفة في الكون كثر الفساد والإفساد، وبالتالي شقي الإنسان وتعس، وكثر الظلم والطغيان، وزاغ الحق وعم البهتان.

الدفاع عن السلم


والسلم لا يتحقق إلى بالإيمان به، والإيمان به مرتبط بالدفاع عنه، و الدفاع عنه لا يكون إلا بالإقتناع به ، والإقتناع به لا يكون إلا بكبح الوازع العدواني في النفس البشرية، وإطلاق العنان للوشائج الإنسانية الفاضلة والداعية إلى الرحمة في الإنسان، عندها تصبح الدعوة إلى السلم هي الغالبة، والراغب في الحرب القتال هو الشاذ المنعزل البعيد عن الواقعية والنطق.
لكن الوقع الإنساني المؤلم اليوم لا نسمع فيه سوى إلى عويل الأبواق الداعية إلى الحروب الاقتتال، وتطبيق سياسة العنف، والتلويح، بل وإلى استعمال السلاح في حل الخلافات والنزاعات بين بني البشر.

أخي في الإنسانية ، إن الذي يحز في الإنسان اليوم أن البشرية أصبحت ميالة إلى العنف والإقتتال، بالرغم من أنها جربت ويلات الحروب والنزاعات والتي لم تجني منها سوى الدمار والألم للإنسانية، والضريبة الكبيرة تدفعها دائما الإنسانية.

هكذا بدأ المتعطشون إلى الدماء والميالون إلى العنف يتقلدون مناصب المسؤولية ويملون اختياراتهم العنيفة ضد الإنسانية، فيقررون الحروب والحصار على الأمم الضعيفة والفقيرة، ويشنون العدوان على الأبرياء من بني البشر،ويتعللون في ذلك بأطروحاتهم المغالية في التخويف من العدو المجهول الهوية ، وبدعوى تهديد الإنسانية.

إن العدو الأكبر اليوم للكون، هو الذي يهدد السلم العالمي، وهو الفقر، فالسلم أساسه الأمن الإقتصادي والإجتماعي للإنسانية، ولن يتحقق السلم مادام في الأرض محرومون وجياع بلا كرامة ولا أمن غذائي ولا ماء و أحيانا بلا لباس يستر عوراتهم ، فكيف سيتحقق السلم إذا.




الدفاع عن الدين


والدين من أقدس الحقوق التي يجب احترامها والدفاع عنها، ورغم أن القوانين في الغالب تقر بهذا الحق، فإن الواقع اليوم يظهر، وفي نطاق التغاضي من جهة ودعوى الحريات من جهة ثانية، أن الدين أصبح عرضة للمس من كل من هب ودب ، بدون مراعاة للأحاسيس ولا للمشاعير الإنسانية الحقة والتي تحترم الأديان الحقة والمقدسات الدينية بدون أي تمييز ولا عنصرية، فمن العار أن لا تدافع الإنسانية وكل من فيه شرف هذه الإنسانية على الأنبياء والرسل والكتب المقدسة إذا تعرضت إلى المس من بعض الجهلة، وذلك بالإنصاف وإرجاع الأمور إلى نصابها.

إن الجهال والمغرضين والحاقدين والذين في نفوسهم مرض ،لا يجب إسماع صوتهم ، بل يجب مقارعة أفكارهم وضلالهم بالحكمة والمعرفة الحقة، وتشجيع رجال الدين المخلصين والصالحين واحترامهم ومد العون لهم وتمكينهم من الدعوة إلى الله والدين الحق، بعيدا عن التعصب والتطرف والغلو، حتى يتمكن الناس من معرفة الحقيقة، وبذلك تتحقق النصرة والدفاع عن الدين.



الدفاع عن الإنسانية


من دافع على ما سبق فقد دافع عن الإنسانية،
وبالدفاع عما سبق يتحقق الدفاع عن الإنسانية،
والإنساني الحق هو الذي يدافع عن الإنسانية.

الجمعة، 14 مارس 2008

الجرائم الإنسانية القابهابلية





لا أريد الحديث عن الإجرام من المنطلق العلمي ولا القانوني ولا كما ينظر إليه الكثير من المتخصصين في هذا الموضوع الشائك والمتنوع، بسبب تداخل العديد من العلوم في شرحه ودراسته، ولكن سأتطرق إليه من الناحية التي أراها تقلقني، بل وتقض مضجعي عندما أسمع مثل هذه الحوادث تقع في الأرض ويبقى الواحد منا ساكتا وملتزم السكوت كأن الأمر لا يهمه لا من قريب ولا من بعيد، لكن وبكل بساطة أخي في الإنسانية سأتطرق إليه من الجانب الإنساني الخالص.

فالجرائم لا تعد، بل وصلنا في عالمنا اليوم إلى درجة تقييم الجريمة بالوقت ، وأصبحت عندنا إحصائيات تقدر ، وأؤكد على كلمة تقدر، بشكل تقريبي فقط عدد الجرائم التي تقع في اليوم والساعة إن لم نقل في الدقيقة والأرقام مخيفة ، ولست من الذي يستغلون الأرقام لتمرير الخطاب وتهويل القضايا ولكم أحيانا تكون النتائج معبرة وتكون الأرقام صادمة، ومن كان يبحث عن الأرقام، فكثيرة هي المواقع التي تخصصت في هذا، ولن يضل ويتعب إذا رجع إلى هذه المواقع في الأنترنيت ليكتشف الأرقام المهولة والتي تختلف من بلد إلى آخر.

واقعنا المعاش المر

أخي في الإنسانية من أين سأنطلق في حديثي هذا؟ هل من الفرد أم من المجتمع أم من الأسرة أم الواقع سواء المحلي أو العالمي؟ أم سأتحدث عن الكل جملة أم أفصل.

الكيل طفح ، والقلب دمى، والعقل انشطر، والعين رمدت ، والأذن صممت، واللسان خرس، ولم يعد أمامنا سوى الغواية والسقوط في مستنقع الحقد والتسيب، أو الوقوف بحزم والرجوع إلى الضمير الإنساني الحي الصادق المخلص والمحب للحياة والناس وتحكيمه بين الخلق، والدفاع عن إنسانيتنا بالحكمة والموعظة والطريقة المثلى في الحوار والجدل ، بعيدا عن التقتيل والحراب واستفزاز الأخر وجره إلى العنف والشدة.

1__ واقع الفرد:

ماذا بقي للآدمي من الجرائم لم يقترفها ، ترى ما السبب ؟ هل هذا يعود إلى طبعه أم إلى تقصير منه أم إلى ضعف فيه؟ كل هذا قد يكون صحيحا جملة في بعض الجرائم ومفصلا في بعضها الآخر، لن أقوم بهذا التقسيم الآلي للجرائم، لكني سأركز على الذي يهمني كإنساني في هذا كله ، أين ترك الفرد منا إنسانيته وهو يقترف هذا الجرم الإنساني في حق الإنسانية؟ كيفما كان، الكتب السماوية هي التي تجيبنا عن هذا السؤال، وهذا موضوع آخر له مقاله ومقامه.

أخي في الإنسانية ، عندما تطغى الأنا وحب الذات تندحر الإنسانية، وتفقد مكانتها في النفس، فيتعطل العقل والقلب ، ويضعف الإيمان والحب ، ويتحول الإنسان إلى ذلك الكائن الفاقد لأحاسيس الإنسانية ، وبالتالي لن تؤثر فيه صور الجرائم التي ارتكبها، ولا التي ارتكبت في حق الإنسانية ،و هذه ضريبة الحضارة التي أسسناها نحن البشر على حساب الأخلاق والفضيلة والحب للناس والحياة للجميع، ونبذنا الدين الذي به تحي الأمم وتعيش في توازن تام وراء ظهورنا، وطغت المادة عن تفكيرنا واختيارنا، وأصبح الهامش الأساسي عندا هو الربح المادي الدنيوي المنحط الحقير ، والتفكير الضيق النفعي و المصلحي والبعيد عن حب الناس والإنسانية ، وأصبح هذا الفرد في خضم هذا أقرب ما يكون إلى "القابهابلية " قد يقتل أقرب الناس إليه من أجل شيء تافه دنيوي.

2 __ واقع الاسرة:

لا أحد يخالف، إلا من به جنة، أن الأسرة أعظم خلية جعلها الله لحفظ الحياة و الإستمرارية في الكون، وقد حثت الكتب السماوية على الحرص على سلامتها وتماسكها ، وتحريم كل ما من شأنه أن يمسها وسلامتها، وأي دين لا يدعوا إلى الروابط الإنسانية فهو دين مشكوك في صحة وروده من الله، بل لا يحق للناس أن يحترموه ولا أن يدافعوا عنه، فكيف بالقوانين الوضعية التي لا تهتم بالأسرة ولا تعيرها أي جانب من الإهتمام والعناية ، بل ومن القوانين من تدفع بالأسرة إلى الإنحلال والتمزق ، فتعتبر التقاليد الأسروية، والأعراف، والأخلاق، والقيم، والروابط، عوائق للتنمية والحرية والإنطلاق نحو التقدم والمساواة، وأن الإحترام الواجب الإمثتال له اتجاه باقي أعضاء الأسرة خاصة للكبير من الجد والجدة والأب والأم، بل ولباقي أفراد الأسرة عامة لا قيمة له، ولا يثير أي اهتمام ولا اعتبار في هذه النظم والقوانين الحالية، ولا حتي في المناهج التعليمية عند الأطفال والتلاميذ والطلبة، مما كان له هذا الإنعكاس السلبي الكبير على الأسرة وانحلالها وضعف دورها في التربية والتوجيه.

أخي في الإنسانية، لقد تطورت الحياة وتعقدت وأصبح واقعنا اليومي الذي نعيشه بمشاكله والصعوبات التي تحيط به يشكل واحدا من العوائق التي لا تساعد الأسرة في القيام بمسؤولياتها تجاه الأفراد والمجتمع.

نعم هذا صحيح، لكن ماذا فعلنا لهذه الأسرة لتسترد مكانتها ودورها في تنشئة مواطنين صالحين إنسانيين ؟ هل كلما وضعنا نظاما أو منهجا أو قانونا للحياة احتسبنا إلى الأسرة وراعينا وجودها وقيمها ؟ لا أعتقد ، بل أستبعد هذا ، واقع الأسرة الحالي سيء جدا، بل ومر في بعض الأحيان عند بعض المجتمعات.

لقد انحرفنا عن النهج الصحيح القويم الرباني الخالص والقويم والذي هو العلا ج الوحيد الذي لا محيد عنه للخلاص من هذه الأمراض التي تعفن مجتمعاتنا ، وتعكر حياتنا .


3__ واقع المجتمع :


ماذا تبقى من قيم الإنسانية في المجتمعات التي نعيشها؟ فبقدر تمسك المجتمع بالقيم الإنسانية ، بقدر ما يكون في منأى عن العديد من المشاكل التي تعاني منها باقي المجتمعات غير الإنسانية، وبالتالي يكون المجتمع الأكثر سلما والأكثر بعدا عن الإجرام والجريمة.

إن الصور التي يتلقاه الفرد منا في المجتمع الذي يعيشه والتي تكون قاتمة، تجعل التفكير في الجرم عنده بالأمر الهين والسهل، فيكون الوازع الرافض لها ميت، فلا حسيب ولا رقيب، ولا ناهي ولا منتهي، فتنتقل الجرائم إلى المستوى الأعلى عند الصفوة من المجتمع ، والجريمة عند هؤلاء يكون الوقع فيها أكثر شدة وخطورة على المجتمع والناس.

نعم كيف بالأحرى سيكون هذا المجتمع "وحاميه حراميه" كما يحل للبعض أن يقول، إن الراعي عند ارتكابه للجرم تطبق عليه العقوبة بالقدر الشديد والصارم ، وعن التغاضي عن جرمه يعتبر الخطر الأكبر بل هو الجرم بذاته، فبمن سيثق الناس، إذا فقدوا الثقة في الراعي، لذا على الجميع أن يعمل بحزم وصرامة ، كل في موقعه، على التمسك بالحق والقيم الصادقة الإنسانية وأن يعترف عند ارتكابه لمخالفة أو خطئ بكل صدق ويقر ولا يخاف، لأن ذلك من أكبر الفضائل، وسيذكر بالخير عند الناس بل وعند الله لأنه لم يخن أمانة الثقة التي وضعت فيه رغم خطئه .


4__واقع العالم:

عالمنا اليوم عالم الجريمة بالمعنى الصحيح للكلمة، لم تعد هنالك جريمة يمكن أن تخطر على بال الإنسان لم تقترف بعد في الواقع، بل علينا أن ننتظر ما هو أسوء من الجرائم العادية ، إنها الجرائم الأكثر إيذاء للناس و الإنسانية، فالعالم الذي تتقاذفه التيارات الفاسدة البعيدة عن الإنسانية والقيم والأخلاق الفاضلة، والعالم الذي تسيطر عليه غريزة الكسب والربح والمصلحة الفردية ، والعالم الذي بدأ يبتعد عن الرب وعن المثل الفاضلة، لن تنتظر فيه غير مثل هذه الجرائم البشعة، بشاعة انحرافه عن الحق والعدالة الحقيقية وحب الناس والحياة .

أخي في الإنسانية ، لم يعد العالم اليوم يميز بين ما هو جائز وما هو غير مباح فعله واقترافه من الأعمال ولو للضرورة مثلا ، فقد تباد المجتمعات وقد تدمر، بل وأحيان قد تسحق دول وأمم عن كامل، لا لشيء سوى باسم الحرب أو المصالح الخاصة أو الدفاع عن النفس أو القضاء على عدو، سميه ما شئت : من متطرف أو إرهابي أو غير ذلك حسب ما يحلوا للبعض أن يسمي، وما هي في الحقيقة إلا أسما ء وضعتموها أنتم والذين يحمون الفكر الإجرامي الهدام للإنسانية والحياة، لاتهمه حضارة ولا يهمه إرث إنساني، ولا يفكرون إلا في المادة والكسب النفعي الضيق، فيقترفون من الجرائم بوعي وغير وعي ما يجعل عالما الإنساني الجميل يتحول إلى بؤرة من الحقد والضغينة والحروب والنزاعات، لماذا تزرع هذه الأحقاد في الناس والمجتمعات بمثل هذه الدعوات، أين الحلم و التعقل والحكمة؟ لماذا لا يفكر القادة في جعل هذه الأرض ولو ليوم واحد بلا حرب ولا تقتيل، والله قد جعل بعض الشهور حرم، وحرم فيها القتل، نعم هل سنحلم بيوم بلا حرب ولا جريمة في حق الإنسانية؟ ويكون أكبر عيد للإنسانية جمعاء.


جرائم في حق الإنسانية


أخي في الإنسانية، لقد حدد علم الإجرام ، وبفضل العلوم الإنسانية التي تطورت، إلى وضع المقاييس التي بها يمكن تحديد المجرم واكتشافه وهذه المقاييس منها :
بصمات العرق ،والصوت، والأصبع،
بصمات العين والأذن، والشعر،
بصمة الحامض النووي، وغيرها.

وقد يكتشف العلم في المستقبل أشياء جديدة لتحديد هوية المجرم الحقيقي، لكن في الإجرام ضد الإنسانية يكون المجرم محددا، وقد يقول لك ها أنا ذا، لكن فعله الإجرامي يضع له من التبريرات ما يجعل الجميع يخيل لهم أنه غير إجرامي ، وهذا قد يكون بشدة إقناعه لك أو بقوته وتسلطه عليك فتداريه عن جرمه ، وقد يكون بجهلك للأمور ، أو بضعف إيمانك ويقينك في الحق، فتقترف الجرائم أمامك وأنت ترى، لكن في الحقيقة :

أنك أعمى لا ترى،
لأنك لو كنت ترى،
ما تركت الذي ترى،
فتمنع الذي ترى ،
وهل يستوي الذي يرى
والذي لا يرى.

جرائم على النفس:

إن لنفسك عليك حقا ، لكن أكبر جريمة للإنسانية على النفس أن تتبع هواها فيضلها عن حق والحقيقة، فيدفع بها إلى الطغيان فتشقى ،وتزيغ عن طريق الحق فتضل، وكم هي الأمراض التي تعاني منها النفس بسبب ما تقترف المدنية عليها بقصد وسوء تقدير للأمور، فعلى الإنسانية العمل على تقدير الصالح للنفس في ما هو مدني وحضاري وحداثي، حتى لا تميل وتنحرف عن الصواب.

لقد أصبحت الأرض غارقة في الطبقية بالشكل الذي أصبح فيها المحروم من الناس يشعر بالغل والحقد على الحياة بل وعلى كل شيء في الكون، لأن في اعتقاده أن العدل في الحياة أصبح عملة مستحيلة التداول و الإنتقام من الحياة هو السبيل لرد الإعتبار ، فتتحول سرائره نحو الجريمة وهو في اعتقاده ينشد الحق والعدالة، لكنه في نهاية المطاف قد غوى و زل .


جرائم على الجسد:

الجسد، ذالك الوعاء المؤقت الذي تسكنه الروح التي هي منبع الإنسانية وقوامها ، وهو عنصر من عناصر الكون والحياة ، والإنسانية مسؤولة عليه وعلى الحفاظ على سلامته وصحته، وهذه المسؤولية تتدرج حسب الوضع الهرمي الذي عليه المجتمع ، فالمسؤول الأول عن الناس هو الراعي الأول وعليه أن لا يبخل في حق أجسادهم وذلك بالتفكير في جميع الحاجيات التي يتطلبها جسد كل واحد من رعاياه ، وأهم رعاية بل وأول رعاية للجسم هي التنشئة السليمة الصحيحة , والخلو من أي أمراض وعلل وتشوهات خلقية بسبب مادي إنساني،لابد من حمية هذا الجسد ، والحفاظ عليه حتى عند الموت بكفنه وبدفنه وتكريمه كما حثت على ذلك الديانات الربانية الصحيحة .

أخي في الإنسانية أليس من العار أن تنتج هذه الإنسانية الأسلحة الفتاكة التي تدمر الإنسان بل وتمزق جسد الإنسان وتشوهه إلى درجة التفحم أو أكثر، أهل هذا هو ما استطاع العلم تحقيقه لهذه الإنسانية؟ هل هذا النوع من السلاح الذي يعتبره بعض ضعاف النفوس منا مشروعا أجازته الديانات السماوية وأقرته؟ حتى الأنظمة الوضعية التي أوجدها الإنسان بنفسه؟ إنه من العار على هؤلاء الإستمرار في إنتاج الدمار والفناء، أو ما يطلق عليه اليوم بأسلحة الدمار الشامل..أغيرها .

ألم يحن الوقت بعد إلى أن تتوحد الإنسانية كلها لتوقف هذا السباق المجنون على مثل هذا النوع من السلاح ، وتوقف استعماله ضد الإنسانية ضد الأبرياء من الناس ، ضد المستضعفين من الأطفال والنساء وغيره، إن أكبر الجرائم التي تقترف في حقنا ونحن عنها غافلون و لاهون تكون بتلك الأسلحة.


جرئم على العقل

لقد كرم الله الإنسان بالعقل ، وحباه بهذه النعمة الكبيرة والتي تميزه عن باقي المخلوقات ، هذه النعمة العجيبة هي التي أوصلت الإنسان إلى هذه المرتبة وجعلته السيد الأول في الكون وهو الذي يسيطر على جميع باقي المخلوقات التي جعلتها تابعة له وتحت إمرته، يفعل بها ما يمليه عليه ذلك العقل.

والعقل وعاء الحكمة والرشاد، ومنبع المعرفة والسداد، وميزان الكمال وعليه الإعتماد، و به نجتنب الفساد ، ولابد من الحرص على سلامته وحفظه، والرفع من قدره، بل وتمكينه، وجعله الفاصل القطعي للأحكام والشرائع في أمور الحياة والعيش وتحصيل المعرفة و العلم.

غير أن الإنسان عن قصد، وعن غير قصد أحيانا، يتسبب في تدمير هذه النعمة التي منحها الله له، وذلك عن طريق العديد من الأعمال وبمختلف الوسائل الطبيعية والمصنعة، وبل أحيان من الطرق التي يقصد بها إيذاء العقل مباشرة، ولن ادخل في تفاصيل هذه الأمور لكني سأشير إلى بعض منها وعلى رأسها المخدرات التي ينتجها الإنسان ويصنعها، وفي نفسه أنه يخدم الإنسانية بها، لكن في الحقيقة يدمر أهم عنصر فيها ، و كذلك المشروبات الروحية و ما تحدثه من أضرار على الإنسان، و بعض الأنشطة التي قصد منها إغراق الإنسان في الملذات واللهو وعدم التركيز بعقله في ما هو أفيد له والإنسانية، ألا يمكن اعتبار هذه الأمور جريمة في حق الإنسانية.

جرائم على الطبائع

وهذه الجرائم من الأمور التي لا يشعر بها الإنسان حتى فوات الأوان، كم قام الإنسان بقتل بعض الطبائع الحسنة وعوضها بطبائع سيئة تسبب الهلاك له وعلى رأسها مثلا طبيعة التدخين، فالشركات التي تنتج هذا النوع من المنتوج والذي يستهلكه الشباب اليوم وبشكل كبير، لها وزنها في صنع القرار ولها وزنها كذلك في الإقتصاد، بل لها وزنها على الصعيد العالمي، فمن إذن سيحمي الشباب من هذه الطبائع المرضية ، وعلى الجميع أن يعلم أن كل طبيعة سيئة تخلق تكون على حساب طبيعة حسنة تقبر، والعاقل منا من لا يتسرع في التطبع بالطبائع السيئة، ويستعمل العقل في وزن هذه الأمور.


جرائم على القيم

وما أكثر هذه الجرائم في حياتنا اليومية، و ما أتعسنا إن تركنا هذه القيم تضيع وتنمحي، ونحن عنها ساهون ملهون في القيم الحديثة والفاسدة والتي نطلق عليها نحن بمنطقنا المادي غير الإنساني بالقيم الحديثة للعصر الحديث، وعن أي حداثة يتحدثون، هل الحداثة في ترك الأخلاق و القيم الإنسانية التي كنا نتصف بها ، بل ويجب أن نبقى متصفين بها.

أين هي قيم التضامن و التآخي والتواد و التآزر و الإيثار ونصرة المظلوم و العفو والنبل والشرف والعفة؟ بماذا عوضت هذه القيم الإنسانية؟ وماذا تبقى منها ؟ وأين نحن من الشيم والوشائج التي أمرنا الله بها، لن أزيد عن هذا، حتى لا أكون ضيفا ثقيلا .

جرائم على الدين

لقد أصبح الدين من أرخص البضائع على الواقع اليوم، كل من هب ودب يتدخل في الحديث فيه بشكل حر، مستغلا الحرية التي ينادي بها الجميع اليوم ، حتى أصبح الدين الشماعة التي يلصق بها كل مشكل يقع في العالم اليوم، هكذا أصبح من السهل التجرؤ عليه والخوض فيه بدون حق، وبدون ترك ذلك لأهله والعارفين بأصوله وفروعه و بخباياه العقائدية والشرعية.

لقد أصبحت الكتب المقدسة التي كانت مثار التقدير والإحترام من الناس بدون تمييز تتعرض للإهانة والتحقير، ما لم ينزل به الله من سلطان، من طرف بعض الغوغاء الذين يعتقدون عن جهل أنهم يحسنون لكن في الحقيقة أنهم يسيؤون للإنسانية، كما أصبحت دور العبادات تتعرض للهدم و الإعتداء دون مراعات لمشاعر الناس وحقهم في احترام دور العبادات التي هي في الحقيقة ملك للإنسانية جمعاء ، حتى الرسل مست قدسيتهم من البعض منا بدعوى الحرية والتحرر، وهذا من أكبر الجرائم التي تتعرض لها الإنسانية بل ومن أخطرها.

أخي في الإنسانية، حذار من غضب الله عند الإسراف في الطغيان والخروج عن جادة الصواب، حذار من بطش الله، إنه شديد، وعلى الظالمين غير يسير، وقد لن يصيب فقط المسرفين، بل ويشمل حتى المطيعين.

السبت، 9 فبراير 2008

كل عام والإنسانية بألف خير

هـا نحن على أبوب السنة الميلادية الجديدة 2008، نسأل الله أن يجعلها أفضل من السنة الفارطة، بأن يعم السلم والسلام والأمن والأمان وأن تتحقق فيه سعادة الناس ويعم فيها الخير والرخاء وينقرض البؤس والشقاء ويعيش الناس في طمأنينة وحب وهناء.

لكن، ماذا تحقق في السنة التي مضت في مجال الإنسانية وحب الناس؟ قد يصعب الإجابة عن هذا السؤال في حينه لأن الأمر يتطلب الوقوف عن كل كبيرة و صغيرة من القضايا التي عرفها العالم وتقييمها من الناحية الإنسانية، هل كانت الحصيلة ايجابية أم لا؟ ماذا استفادت و ماذا خسرت؟ وما هي النواحي التي ضاعت فيه الإنسانية وخسرت؟ وأين هي الأمور التي كانت في صالح الإنسانية وتحققت؟ و في الأخير هل يحق لنا أن نقول إن الإنسانية بخير؟

لست من المتشائم المسود الأفق، ولا من الساخط عن كل شيء، ولا الرافض لأي شيء، ولا العبوس القمطرير، ولا الحاسد الناقم، ولا المتمرد البائس، ولا المحروم الحاقد، ولا المتطرف الشاذ. كما لست من المتفائل المبالغ في التفاؤل، ولا الغارق في الفرح السعيد بشقائه، ولا المتلذذ بكل شيء، ولا العابد لهواه العبثي في الحياة، ولكني من الذي يزن الأمور بموازن الحق، بعيدا عن الهوى والميول الزائد عن الصواب.

سأدل بدلوي في خضم هذا المعترك الحافل الصعب، فمن الناس من سيوافقني الرأي منهم من سيخالف، وفي كل خير إذا كان المقصود خدمة الناس والحياة، فالعيب ليس في الاختلاف في الرأي، بل العيب في عدم قبول الرأي الآخر وإقصائه، والتعصب للرأي الواحد والإصرار على إقصاء الأخر.

قبل هذا أقول أن العالم شهد هذه السنة تحولا كبيرا في العديد من المجالات العلمية والعملية المحمود أثرها على الناس والإنسانية، وقد لا يسعني الوقت إلى جردها، لكن الراغب في البحث فيها سيجدها في التقارير التي تضعها المنضمات المجدة في ذلك رهن إشارته، وكم يسعد الواحد منا وهو يطالع مثل هذه التقارير، فهو يسعد بسعادة الناس ويشقى بشقائهم، خاصة وأن تلك الأرقام تدفع إلى السرور و التفاؤل، لكن المبالغ في الفرح والتفاؤل بذلك سينسيه الجانب الآخر في المسألة وهي الإنسانية بصفة عامة.

أخي في الإنسانية، سأنطلق من رسالتي هذه في تقييم الوضع من الاقتصاد ثم السياسة وأعرج بالإجتماع وأختم بالقيم التي أعتبرها الهم الأكبر والخلاص الأنجع لجل المشاكل العالقة بهذه الأرض.

الوضع الإقتصادي المتردي

كم هي البرامج التي طرحت من أجل وضع حد للمشاكل التي تعاني منها الإنسانية، وكم هي المبادرات و كم هي الخطط وكم هي الخطابات وكم هي الرسائل وكم هي المقترحات التي قدمت سواء في المنتديات الدولية وغيرها، بل وفي أي فرصة عامة وخاصة يستغلها بصدق أو بغيره أصحاب الحل والعقد أومن لهم الشأن في ذلك، من أجل لفت الانتباه إلى القضايا الإقتصادية التي يعرفها العالم اليوم، لكن ماذا سنقول لضمائرنا إن كانت بالفعل حية، بل ماذا سنقول للرب رازق الكون و قد منحنا من النعمة ما لا يمكن حصره، فكم هي نعم الرب في هذا الكون: موارد الطاقة لا تعد، ومع ذلك الإنسان يعاني من الخصاص فيها، الموارد الغذائية الطبيعية منها والمصنعة جد متوفرة، والثروات عند جميع الشعوب موجودة، و التقارير لا تتحفنا سوى بتحسن الإنتاج هنا وتوفر الفائض هنالك، كل هذا بل وفي المقابل له نسمع التقارير تتكلم عن الفقر والفقراء، وعن الجياع والمحرومين وعن البطالة والمشردين، والصور القاتمة عن الوضع البئيس للناس تصلنا عبر الفضائيات من العديد من بقاع هذه الأرض.

أخي في الإنسانية كم هي قبيحة تلك الصور التي تصلنا عبر وسائل الإعلام للأطفال والنساء والشباب والشيوخ والعجزة من جميع أنحاء هذا العالم الجميل الغني بثروته التي حبا الله بها هذا الكون ليسعد بها الإنسان، لكن العكس نجد بل أحيانا تكون نقمة عليه، هذه إفريقيا مثلا الغنية بثرواتها وما تعانيه من ويلات الفقر والجوع، ماذا فعلت الصناعة والتقدم العلمي والتطور في الإنتاج وغير ذلك سوى زيادة الشقاء، ترف وغنى هنالك وفقر مدقع هناك، وما يترتب عن هذا من بطالة و هجرة غير مقننة، واستغلال للوضع من دوي النفوس المريضة الجشعة والراغبة في الغنى على حساب الآخر الضعيف.

الوضع السياسي المتأزم

السياسة وما تحمله من سحر أبدي في النفوس التواقة إلى الغد الأفضل للناس جمعاء، هذا المصطلح العام في مدلوله الشامل في مضمونه، هو مفتاح للعديد من الإشكاليات لو مورس بالشكل الأصح والسليم بعيدا عن الديماغوجية والنفاق، وقريبا من الحكمة والتعقل، و قام الساسة بكل ما يجب عليهم القيام به، وصدقوا في سياستهم مع أنفسهم ومع الناس.

لكن الذي نراه اليوم هو غلبة المصلحة الآنية و الخاصة والدفاع عن الفئة المحضوضة والمقربة، والتفكير القصير الضيق المحدود الأفق بعيدا عن تحقيق المصلحة العليا للإنسانية وتحقيق الرفاهية والعيش الكريم للجميع.

أخي في الإنسانية ماذا جنينا نحن بني البشر من هذه السياسات التي لا تعير للقيم الإنسانية أي اعتبار سوى الويلات والغم والهم، مازالت العديد من المجتمعات الإنسانية تعيش أوضاعا لا إنسانية بسبب ابتعاد ساستها عن القيم الإنسانية وسقوطها في السياسات التي يمليها الهـوى والأنا الأمارة بالسوء وحب النفس وتغليب المصلحة الدنيا والابتعاد عن هم الجماعة والسواد الأعظم من الناس، فأصبحت هذه السياسات تولد القهر الذي جاءت هي في الحقيقة لمحوه، تولد الاستغلال الذي جاءت هي للقضاء عليه.

أخي في الإنسانية إذا نظرنا إلى عالمنا اليوم وألقينا صورة له من الأعلى لن نرى سوى السواد الذي ينبعث من بؤر التوتر الكثيرة التي تزداد عوض أن تنقصها السياسة، كم هي النزاعات والحروب المشتعلة بين البشر هنا وهناك داخل هذه الأرض التي خلق الإنسان فيها ليسعد لا ليشقى، نعم حروب وحروب من أجل مصالح فارغة وبسبب سياسات كاذبة مغلوطة توهم بني البشر على أنهم يتصارعون من أجل مصالح عليا لكن في الحقيقة ليس ذلك سوى سراب وراء سراب، إن المصلحة العليا في الحياة السعيدة والآمنة والدفاع عنها ونبذ العنف و الإقتتال والحرب وقتل الأبرياء من الناس.

أخي في الإنسانية كم هي النزاعات المفتعلة والطائشة والتي بها ومن أجلها تسرف الأموال الطائلة من أجل التسلح والعمل على التدمير والفناء وقتل الحياة، فتهدر هذه الأموال عوض أن تنفق في التنمية الإنسانية، وتدفع في المجالات التي تخدم الحياة والبقاء لبني الإنسان، و ماذا أنجز هذه السنة التي ودعنها في هذا المجال، حري بنا أن نعترف نحن البشر أننا أسرفنا في القتل والتقتيل فيما بيننا، وحتى الشعوب الإنسانية بقت مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع لا ناهي ولا منتهي، عار على الإنسانية أن تتفرج في هذه المجازر التي تقترف بأسماء مختلفة، تارة من أجل الحق، وتارة من أجل ترسيخ الديموقراطية، وتارة بإسم الدين، وتارة بما يسمونه النيران الصديقة، متى سنكف عن هذا الإجرام بحق الإنسانية ونعود إلى رشدنا والى الصواب وإلى الحكمة، و نوقف أصوات الرصاص والتفجيرات وأنين المصابين ونعوش الضحايا.

الوضعية الإجتماعية الصعبة

لا يمكن السكوت عن الحالة المتردية التي تعيشها الإنسانية من الناحية الاجتماعية، فالكيل طفح، والصور القاتمة ببشاعتها يصعب صرف النظر عنها إلا إذا وضعة عليها إشارة "غير صالح لمن في قلبه درة حب للإنسانية"، حالة كرسها الوضع الاقتصادي المتردي.

لا نسمع هذه الأيام سوى بأمراض جديدة مستعصية العلاج تحصد الأرواح وتنتشر في المجتمعات الضعيفة بشكل أسرع وقد لن يسلم منها أي مجتمع إذا ما استفحل انتشارها وداع بين بني البشر وانتقلت إلى أوبئة تفتك بالناس والحياة، ماذا فعلت المدنية المتحضرة إلى الآن بخصوص الأوبئة التي مازال الناس يعانون منها خاصة الفقراء منهم في القارات الفقيرة، هل إن أمن الأغنياء وحموا مجتمعاتهم من تلك الأمراض وأهملوا إخوانهم في الإنسانية في باقي ربوع الأرض يكونوا قد قاموا بما يجب؟ لا وألف لا، بل خانوا الأمانة وفرطوا في الإنسانية.

لقد عان المجتمع الإنساني السنة الفارطة من العديد من الكوارث التي أصابته بسبب تصرفات بعضنا غير المحسوبة و المسؤولة في الأرض، أهلكت الحرث والنسل وأتلفت العديد من الخيرات، لكن التضامن الإنساني لم يكن بحجم ذلك الضرر الرهيب الذي أصاب الناس لأن المساعدات والإعانات تتحكم فيها عادة دواعي المصلحة والتبعية والولاء للقوي المالك للثروة والإمكانيات.

ومع ذلك فأن الخطر الأكبر الذي سيتهدد الإنسانية والنظام الإنساني من الناحية الاجتماعية هو انتشار الإجرام والجرائم المنظمة التي ستهدد الاستقرار والأمن الإنساني بصفة عامة وسيطال هذا المرض الخطير الحياة والمجتمعات بدون استثناء، خاصة إذا اشتدت شوكته وقوي نفوذه، وسأعود لاحقا إلى هذا الموضوع بمفرده.

القيم الإنسانية المنهارة

ماذا بقي من القيم الآن في مجتمعنا الإنساني الحديث أو"الحداثي"كما يرغب الجميع أن يصف به العالم اليوم، ترى، هل الحداثة هي محاربة القيم ونبذها؟ هل صحيح هي التي تتسبب في المشاكل والتخلف؟ هل الأخلاق والدين والثقافات الشعبية النبيلة هم عوائق التنمية والتطور؟

أخي في الإنسانية كلما رجعنا إلى الوراء واستقرأنا التاريخ إلا واستخلصنا أن الأمم القديمة انحطت بسبب تخليها عن القيم الإنسانية الفاضلة والشيم النبيلة التي كانت العملة السائدة بين المجتمعات الإنسانية و التي على رأسها الحق و العدل والفضائل الحميدة والدين الصحيح وطلب العلم والمعرفة واحترام الحياة.

لقد تراجع التكافل والتضامن في المجتمعات الصغيرة وأصبح الكل لا يهمه سوى مصلحته الخاصة، وانعكس هذا بشكل كبير في عالمنا الإنساني الكبير، وأصبح الرابط الذي يربط بين الأمم المنافع المادية بعيدا عن قيم والأخلاق والرابط الدينية والتاريخية، وإن أثيرت هذه القيم في الخطب وفي المناسبات الرسمية فهي فقط للاستهلاك الإعلامي وترمي إلى دغدغة العواطف الدبلوماسية التي لا تتعدى الورقة التي كتبت فيها، أو آذان المستمعين لها.

أخي في الإنسانية إن أكبر قيمة يجب على كل من يهمه أمر سعادة الناس في هذه الأرض أن يهتم بها ويدافع عليها هي إنسانية البشرية، هذه القيمة التي لم تعد تساوي شيء في بورصة قيم الحياة مع الأسف، مما جعل الناس يميلون إلى المغامرات و الحماقات من أجل تحقيق بعض من مآربهم الآنية دون أي اعتبار للقيم والأخلاق، فكثر الإجرام والانتحار وقوارب الموت والتمرد والتصعلك ونخاسة لحوم البشر وأعضائه، وبدأ الناس لا يعيرون للأبوة ولا للأمومة ولا للبنوة و لا للأخوة ولا للجوار ولا للصداقة إلا النفر القليل منهم و في بعض المجتمعات التي مازالت القيم عندهم تساوي الحياة.

ومع ذلك، فالكون جميل والحياة جميلة والأرض بألف خير مادام عباد الله الصادقين المخلصين في عبادتهم و المحبين للإنسانية والمدافعين عليها موجودون بها، وبهذا لن نبالغ إذا قلنا بأن الإنسانية ستكون بخير، وكل عام والإنسانية بألف خير.