الجمعة، 16 ماي 2008

خريطة طريق الإنسانية

خريطة طريق الإنسانية


أحيانا، وخاصة عندما يختلي الإنسان بنفسه، ينتابه شعور خاص وغريب، يتحرك بين ثنايا أضلعه ويسأله تارة:هل بالفعل هو إنسان صالح يعمل لصالح الإنسانية ؟ هل له مكان مع الإنسانيين الذين سيشملهم هذا للقب والذين سيكونون لا محالة من الفائزين إن صدقوا في عملهم مع الله وأخلصوا لدينه؟ ويدفعه تارة أخرى إلى التفكير في الطريق الاقوم والقريب إلى الحق، وإلى الحقيقة الإنسانية، لينعم بالسعادة المطلقة في الحياة قبل الممات.

كل هذه الأسئلة وغيرها سوف يجد الجوب عنها من خلال خارطة طريق الإنسانية التي أضعها بين يديك أخي في الإنسانية لتنعم بدفء الإنسانية، وتسعد بنور الحق فيها، وتفوز بالحب في الدنيا والفلاح في النهاية.

لكن قبل كل هذا لابد عليك أن تعرف معنى الإنسانية التي نقصد، والطريق التي سنتبع من أجل تحقيق مقاصد الإنسانية في الفرد أولا وفي المجتمع ثانيا، واعلم أن الطرق في ذلك شتى، وكل يرغب في الوصول إلى الحقيقة، فالعامة من الناس يتدينون ويقلدون الخاصة للوصول إلى كمال الإنسانية، والخاصة من الناس يستعملون بصائرهم للوصول الى الإنسانية، وأهل التصوف أصحاب الأحوال يسبحون في الكمال للوصول لها، وهناك خاصة الخاصة وهم العارفون بالإنسانية والمتشبثون بالحق والطريق الحق، ومن هذا كله وغيره فالصحيحة واحدة،

الطرق شتى إلى الإنسانية؛
وطريق الإنسانية الحقة مفردة؛
و سالكو طريق الإنسانية؛
من القلة أفراد.

واعلم أن الإنسانية الحقة هي سلوك فردي وجماعي تتجانس فيه جميع القيم التي نادت بها الديانات السماوية وأقرها العقل الإنساني السوي، وهي ارتباط مع الحياة والوجود وسائر المخلوقات وفق الضوابط الربانية والقواعد الكونية التي تسري على الجميع ضمن منظومة واحدة وموحدة من أجل الإستمرار في الحياة وتحقيق السعادة في الكون.

واعلم أن الإنساني هو من تحققت فيه هذه الإنسانية، وانضبط بالضوابط الربانية في الحياة، وعمل على نشر ذلك بين الناس بالعقل والحكمة، وابتعد عن استعمال الشدة في الأمور كلها، مغلبا الرحمة والتسامح والإحسان عن الثأر والإنتقام، وهذا كله من الأمور التي حث عليها الله في جميع كتبه التي أرسلها للناس عبر الأنبياء والرسل، للدفع بتحقيق الإنسانية في الناس والارض كلما زاغوا وغلبوا الآدمية وحب الشهوات، واتبعوا الهوى وغرهم الشيطان وأزلهم عن طريق الحق طريق الانسانية.

لكن للوصول إلى الحقيقة الربانية، وتحقيق المقاصد الإنسانية في الخلق،لابد من المرور عبر مجموعة من المراحل والمحددة في ستة مراحل عبارة عن محطات متسلسلة توصلك في النهاية إلى الإنسانية الحقة ،وتجعلك في الطريق الصحيح إلى الله منبع الإنسانية.


المرحلة الأولى

وتبتدئ هذه المرحلة بالإيمان بالله ،وبوحدانيته، وإنه وحده صانع الكون ومنظمه ، وأن الإنساني الحق في الكون هو خليفته، ولا يتحقق هذا إلا بالرجوع إليه، لأنه هو واهب الإنسانية ومانحها وجاعلها السمة التي تجمع الناس وتجعلهم عنده سواء، والإيمان بالله يمر عبر ثلاث هي:

& الحواس: فالإيمان بالله عبر الحواس سمة العامة والمبتدئين، ولكي تنضبط في طريقك لتتحقق فيك الإنسانية، لابد أن تنضبط حواسك في البداية، فالعين عندما تنظر إلى عظمة الكون وكبره، تقتنع في بصرها إلى أن الله حق، فتتحقق ألوهية الله في البصر، والأنف عندما يستنشق الهواء ويسري في الجسم بالنفع والفائدة، فيحيا الجسم لعبادة الله والعمل صالحا، وهكذا بقية الحواس .

& العقل: هذا النور الإلهي الذي وهبه الله للإنسان، وهو مظنة التكليف، وقد خاطب الله الإنسان من خلاله، وهو الفاصل الذي يميز الآدمي عن الحيواني، والذي يستعمل هذا العقل في الإيمان بالله وعبادته هو من العلماء المؤمنين ، وإن عمل بالإيمان بالله فهو من العاملين، والجمع بين العلم والعمل يصنف العالم في مصاف الإنساني الحق الذي يقدر المسؤولية التي من أجلها هو عالم ووارث للحكمة من الأنبياء والرسل.

& القلب : وهو المضغة التي وضعها الله في الإنسان وهي مقياس كماله وتمامه ، و بها ينطلق ويسمو إلى مراتب الكمال، والإيمان بالقلب تمامه وكماله، فإن وقر في القلب واستقر سعد الإنسان واكتملت إنسانيته.





المرحلة الثانية

وهي مرحلة التطهر والنقاء ، وهذه المرحلة تضفي على الإنسان الإستقرار والطمأنينة وتجعل شخصيته تقوى، وهي نوعان:ظاهرية وباطنية.

& وطهارة الظاهر تكمن في الإعتناء بالجسد وتنظيفه، ولها من الفوائد على النفس الإنسانية ما لا يمكن حصره، فبالطهارة يحس الإنسان بالراحة وينعم بالإستجمام، ويتفتح له دهنه، وتنشرح أساريره، وبتالي ينعم في الفهم والإدراك، زيادة على تمظهره بالمظهر الحسن المقبول عند الناس، فيحس بنظرات الإحترام تجاهه، مما يزيد في تقوية معنوياته، ويساعده هذا على العمل من أجل الإنسانية بكل ثقة وتفان.

& وطهارة الباطن وهي الأرقى والأفضل، وهي طهارة النفس والجوارح من الغل والحقد والأنانية والحسد والكذب و الغش والكراهية والبغضاء وكل الشوائب التي تسبب في نشر التفرقة بين بني البشر، وتعطل العمل الإنساني بين الناس، وهذه الطهارة تجعل من الآدمي إنسانا صالحا، وتقربه إلى الله بقدر صفاء وطهارة باطنه، لأن هذه الشوائب هي التي تحول دونه و التواصل مع الرب .

المرحلة الثالثة

وهي مرحلة الحب، وبهذه المرحلة يغرس الفرد الواحد أواصر الألفة والتعايش بينه وبين الآخر كيفما كان جنسه ولونه وعرقه، فالحب لا يعرف التمييز والتمايز، وحب الإنسان أعلى مراتب الحب وأرقاها، وأساسه الإيمان والتصديق، و من أحب الناس أحب الله، وقد يكبر هذا الحب وينقص حسب صدق وإخلاص الإنساني، وهو بخلاف المودة والألفة التي تجمع بين الرجل وزوجته، أساسها العاطفة والوجدان، والحب كما يشمل القريب يشمل البعيد.

& وحب القريب، من الزوج، والزوجة، والأولاد، والآباء، والأهل، والأحباب، وكل من له صلة قرابة أو مصاهرة، وهذا الحب يتفعل عن طريق التواصل والصلة مع الجميع، وعن طريق تبادل الزيارات سواء في المناسبات أو غيرها، وعن طريق الإنفاق، والهدايا، والإحسان لضعافهم، والبر والاحترام لكبارهم.

& وحب البعيد من العامة من الناس كيفما كان نوعه ووطنه وعرقه ودينه، المهم إن تحب إنسانيته، وهذا لن يتأتى إلا بالتضامن معه في محنه ومساندته، وتقديم العون والمساعدة له عند مصائبه، والدعاء و الصلاة له في حياته ومماته.


المرحلة الرابعة

الإحساس بالإنسانية، والترفع عن الآدمية و البشرية، وهذا لن يكون إلا بما يلي :

& أن لا يكون الطعام والشراب هو شغلك الشاغل؛
& أن لا يكون النوم غايتك في الحياة؛
& أن لا تتغلب شهوة الجماع على تفكيرك؛
& أن يكون وازع الدين حي فيك؛
& أن يكون السلم في الكون همك الكبير،
& أن يكون الحرص على إسعاد الآخر عملك الغالب؛
& أن يكون ما تملك من مال وسلطة ونفوذ في خدمة عامة الناس.




المرحلة الخامسة

وهي المرحلة التي يتوجه فيها الإنسان إلى الله بجسده وروحه ، وهذا التوجه يكون عبر مجموعة من الطقوس التي يزاولها الواحد منا في يومه بشكل منتظم، وفق مجموعة من الحركات المنتظمة والمحددة سلفا من الشرائع السماوية، والمفصلة بالطرق التي بينها الأنبياء والرسل للناس حتى يقوموا بها على الوجه الأكمل والتام.

والتوجه إلى الله بالجسد يكون بترويض الجسم على الانصياع والطاعة لله والانضباط لأوامره، وعدم منحه الحرية المطلقة في الفعل بدون رقيب ولا حسيب، ولترويض الجسم لابد من القيام بالطقوس للمخصصة لذلك ، وذلك عن طريق القيام بنوع من الصلوات التي يشترك فيها الفعل والقول، والفعل مرتبط بالحركة، والعمل الخيري الصالح، والقول مرتبط بالإقرار، وقول الحق والصدق، و هنا يحصل الاندماج الحقيقي.

والتوجه إلى الله بالروح يكون بإطلاق العنان للوجدان الداخلي للإنسان كي يسبح في ملكوت الرحمان بدون تردد، فينعم في سعادة وإحساس بالقرب من الله والصلة به، وذلك عبر الصلوات الباطنية والإنشغال الذهني لفعل الخير والعمل به، والإيثار والتضحية في سبيل الإنسانية وسعادة الإنسان كيفما كان.

المرحلة السادسة

وهذه المرحلة هي البداية الحقيقية لإنسانيتك، حيث تكتمل إنسانيتك ، ويحصل إرتباطك الكلي مع الله بشكل يجعل الله أحب إليك من سواه، فتستشعر الله في كل شيء فيك، في سرك وعلنك في حركك وسكنك في فرحك و قرحك في انشراحك وغضبك، فهو واهب الإنسانية ومنشؤها في الخلق، وبالتالي تصبح الإنساني المدافع عن الإنسانية من إي شكل من اشكال الأخطار .