الجمعة، 24 أكتوبر 2008

الأزمة العالمية

الأزمة العالمية
ليست مالية وإنما هي أزمة قيم.

هذه الأيام، انشغل العالم من حولنا بالأزمة المالية التي بدأت تعصف بأكبر المؤسسات المالية العالمية، وانعكس آثارها على اقتصاد الدول، وتأثر بشكل سلبي، وانهارت بعض الشركات وتصدعت، وفقدت الكثير من المكاسب الأرباح بل ومن الرأسمال، وتأثرت البورصات في الكثير من الدول، وانخفضت القيم والأسهم المالية، وانزلقت المؤشرات وفقدت العديد من النقط ، وانحدرت في المراتب.

كل هذا انعكس على الإنسان وعن حاله وأحواله، وتجلى ذلك في هرولته إلى البحث عن الحلول المالية والإقتصادية، لإيقاف هذا النزيف المالي، وإرجاع الأمور إلى نصابها، فاضطرب حاله، وانعكس ذلك على نفسيته، وفقد السيطرة على وضعه ، وهرول نحو الحلول الآنية ، عوض التوجه إلى الحلول الجوهرية الناجعة.

لكن، هل بالفعل هذه الحلول التي اتجه إليها المجتمع العالمي لحل هذه المعضلة هي الحل الحقيقي للخروج من هذه الأزمة؟ هل بالفعل الأزمة التي نعيشها هي أزمة مالية فحسب؟ أم الأمر أكثر من ذلك بكثير، و بالتالي ما هو الحل؟

أخي في الإنسانية، إن النظام المالي العالمي اليوم نظام جشع لا يرحم، يرتكز على الفوائد لتحقيق الأرباح، دون مراعاة للآخر، ويبتلع الضعيف عند العجز عن الأداء، لا مجال فيه للأخلاق، والقاعدة العامة عنده هو الربح وتحقيقه بأي شكل من الأشكال، وقد سار على هذا النهج كل الرأسماليين والشركات العملاقة، حيث تقوى رصيدها المالي بهذا الشكل، وأصبحت الحلول التي تقدمها هي الحل والخلاص في نظر قصار العقول والضعاف أمام المال والثروة، الذين يعتبرون هذا الغناء هو النموذج الأمثل لإتبات الذات وتحقيقها.

ومن الخطئ الاعتقاد أن امتلاك الثرة هو أقصى ما يمكن أن يحقق السعادة في الكون عند الإنسان، لأن الثروة وإن ملكت ما ملكت منها تحت تصرفك، ليست هي الخلاص الوحيد عند الأزمات، بل تكون هي السبب فيها، وبالتالي يكون الخلاص هو توزيعها و العمل على تداولها بين الناس عوض احتكارها.

إن ضخ هذه الجبال من السيولة النقدية في الأبناك المهزوزة والمضطربة، والتي أبانت عن قصورها في حل هذه المعضلة المالية العالمية، لن يحل الأزمة، وإن حصل و وقع و أرجع الحياة والدفء فيها، فإن ذلك فقط إلى حين، وعندئذ ستظهر أزمة أشد وأقوى، ولن تحل بسهولة، وستكون آثارها على الإنسانية أمر وأخطر، لأن السبب في ذلك مازال قائما.

أخي في الإنسانية، إن العالم الذي نعيش فيه اليوم غارق في التناقض و الإختلاف، حيث انقلبت الأمور عن حقيقتها وأصبح الصحيح هو الخطأ، وعوض أن يتجه الناس إلى الحلول الحقيقية للأزمة وينطلقوا من السبب أو الأسباب التي كانت وراء استفحالها، اتجهوا نحو المسكنات التي سوف لن تحلها و إنما ستهدئها و ستسكنها.

إن عالما اليوم، وبسبب نظامه المالي الحالي، مقسم إلى عالمين متناقضين، عالم الأثرياء الذين يتحكمون في الأموال ومصدر القرار، وعالم الفقراء الغارق في الآفة والحرمان ، المليء بالمساكين و الجياع و المهمشين. إنهما عالمين على طرفي نقيض، وبينها هوة ساحقة من الفوارق، لا يمكن تصور حجم قعرها إلا من خلال المشاهد الروعة والمؤلمة التي تجود بها وسائل الإعلام لنا كلما سنحت الظروف لذلك.

نعم، إنه عالم المتناقضات والذي لا يمكن أن نجني منه سوى هذه المشاكل التي ستتوالى علينا وستتكاثر، وستكدر علينا الحياة وتمس الاستقرار، وستكون السبب في انهيار الحضارة الإنسانية لا قدر الله.

لكن، أين هو الحل ؟ وما هو الطريق الصحيح للنجاة ؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟

أخي في الإنسانية الحل الوحيد لهذه الأزمة هو توزيع الثروة بين الناس، وأن يشمل هذا التوزيع جميع الشرائح في العالم بدون استثناء ، وأن لا يكون التوزيع عبارة عن صدقات وهبات، بل لابد من برامج للتطوير والمواكبة والتتبع، وخلق الفرص للجميع من أجل الاندماج والتواصل، وفتح الباب للتعارف بين الأمم والشعوب، وإزالة الحواجز بينهما، فالكل في حاجة إلى الآخر، والكل يكمل الأخر.

والطريق الصحيح إلى هذا الحل هو الرجوع إلى الله، و العمل على اتباع نهجه القويم، الذي هو مذكور في كتبه السماوية الحقة، والعمل على تطبيق وصايا أنبيائه للناس، بدون تمييز بين أنبيائه، فكلهم يحملون رسالة واحدة للخلق من الله، غايتها تحقيق سعادة البشر في الأرض، وتكريس العدل والمساواة بينهم، وخلق الألفة والمودة والرحمة بينهم، والعمل على تطبيق القانون الرباني فيهم الذي ينبني على الحب واحترام الحياة والإنصاف.

والسبيل إلى ذلك يكمن في العديد من الإجراءات التي تنصب كلها في تحقيق العدل وتوزيع الثروة بين الناس بالحق، وعدم العمل على احتكارها عند الأقلية من الناس، ومن هذه الإجراءات، بل ومن أهمها :

* التضامن بين الناس دون اعتبار لقوميتهم ولا لوطنهم ولا لعرقهم، لأنهم يجتمعون في الإنسانية جميعهم، خاصة عند اشتداد الأزمات؛
* إسقاط التعامل بالفوائد الكبيرة بين الناس عند التعامل بالقروض؛
* عدم إثقال كاهل الرأسمال بالضرائب؛
* تحديد سقف الضرائب على الربح في إثنين ونصف بالمائة؛
* العمل على توزيع الثروة بين الناس حسب المردودية؛
* تكريس مبدأ الثقة بين الناس في التعامل فيما بينهم ؛
* خلق شراكات بين الناس ولو اختلفت أعراقهم؛
* التصدق بالفائض من الإنتاج على المعسرين من الناس في شكل مساهمات في مجال التنمية المستديمة؛
* الرجوع إلى الأخلاق الفاضلة عند التعاملات بين الناس.

أخي في الإنسانية لو رجع الناس إلى الله وإلى كتبه السماوية الحقة، وطبقوا دين الله الصحيح في حياتهم ، والتزموا أوامره ونواهيه،وتحلوا بالأخلاق الفاضلة ، ما وقعوا في مثل هذه المشاكل و الأزمات، ولو عادوا إلى الله ورسله لوجدوا البلسم الشافي لكل أمراضهم وعللهم، فارجعوا إلى الله يا أيها البشر،
وانشروا الحب بينكم يحببكم الله،
وتعاونوا في الخير في الشدة والرخاء، يصلح حالكم।