الثلاثاء، 15 نونبر 2011

الربيع الإنساني


الربيع العربي، عفوا الربيع الإنساني ....

أطلق الناس على الحراك العربي" الربيع العربي"

لكن لماذا الربيع؟ ولماذا العربي؟ ألم يحن بعد أن نرى ونسمع بالربيع الإفريقي، أو الربيع الأسيوي، أو اللاتيني، أو حتى الأمريكي أو الأوربي.

ولما لا الربيع الإنساني...

والربيع فصل من فصول السنة الجميلة الهادئة المعتدلة، يرى فيها الانسان جمال الطبيعة في كل مكان ، وينعم بالتمتع بمنظرها بكل حرية وأمان ، فيتجدد في نفسه الآمال نحو الانطلاق بكل حرية في الحياة ، ويستلهم المستقبل المشرق اشراقة شمس الربيع الوضاحة في سمائه الصافية بأشعتها اللطيفة المنبعثة منها بكل رفق نحو كوكب الارض.

يرسل الربيع رسالته للإنسان من خلال نسماته الفواحة بعطر المكان الممزوجة بكل انواع عطر الزهور والورد والريحان ، قائلة له : تجدد، مثل الطبيعة ، تجدد مثل تجدد هذا الفصل، اخلع عن نفسك البؤس والدل والحرمان، وانطلق في فضاء الحرية بكل امان، و لا تخشى التغير ولا تخف فالمستقبل لك ،واعلم ان الله مع كل متوكل وكل مجتهد يريد لهذا الكون الاصلاح والسلام.

لكن سوف ارجع بعقارب الزمان قليلا، لنسبر غور عالمنا العربي، كيف هو؟ ما هي أحواله ؟ وكيف هي حالة الإنسان العربي؟

مآسي ... نعم مآسي، من فوقها مآسي، من تحتها مآسي، تراها وتلمسها في كل النواحي، ظاهرها مظلم، وباطنها مدلهم.

إذا ولجت بداخلها تكاد لا تخرج منها سالما معافى من آثارها.

إذا سألت عن الفقر... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن البطالة ... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الجوع ... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن المهانة... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الأمراض... تجد الانسان العربي ...

إذا سالت عن الانحطاط... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن التخلف... تجد الانسان العربي...

إذا سألت عن الاستغلال... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الاستبداد... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن القهر... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الفساد... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الظلم ... تجد الانسان العربي...

إذا سألت عن التشرذم... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الخلافات... تجد الانسان العربي ...

إذا سالت عن النزاعات... تجد الانسان العربي ...

إذا سألت عن الحروب... تجد الانسان العربي ...

صورة قاتمة هي التي تتشكل في ادهان الناس، وهم يتحدثون عن الوطن العربي، نظرة استصغار ومهانة توجه الى الانسان العربي كلما وطأ قدمه أرضا غير وطنه، بل يعاني المهانة حتى في وطنه، ومن ابناء جلدته ، المتحكمين في رقابه.

متهم بالإرهاب تارة وبالتطرف اخرى، غير مرغوب به ولا فيه عند الامم الاخرى، معاناة شديدة ، وتضحيات مريرة، وتنازلات عن المواقف والمبادئ تطلب منه من اجل الاعتراف له بقدم داخل هذه الاوطان .

إنه جزء من المآسي التي تعيشها الانسانية... يعيشها العربي المسكين، الذي يشكل طرفا بارزا في المعادلة، معادلة "مشكل ضرب مشكل يساوي تخلف يساوي انحطاط يساوي استبداد"

من المستحيل ان يراهن أي واحد على أن هذا الانسان العربي سوف يقود الحراك من أجل الكرامة من أجل الحرية من أجل الدمقراطية، لا أحد كان يتصور ان الربيع الانساني سيبدأ من الوطن العربي، انه ربيع الشعوب المقهورة، ربيع الشعوب التواقة الى الحرية والديمقراطية والكرامة والمساواة.

لكن رياح الربيع العربي، المنسمة بروح الحرية، المعطرة بأريج حب الحياة، والتي تفوح منها رائحة الياسمين، أبت إلا ان تقول للعالم: أن الشعب العربي حي، وأبي، وانه قاد في فترة من الزمان لواء الانسانية والحضارة ، أن تضحياته مكنت العديد من الشعوب تذوق طعم الحرية والاستقلال، وتحررت من عبادة الاوثان والانسان الى عبادة الله رب العباد.

لكن التراجع الذي عرفه المجتمع العربي كان سببه الاساسي ابتعاد الامة عن المبادئ الانسانية التي كان يدعوا اليها الدين الاسلامي الحنيف، وكان يحمل شعارها ، هذه المبادئ التي تستمد توابيتها من الرسالة المحمدية.

هذا العربي كلما دخل مجتمعا لنشر دعوة القران التي تدعوا الى الرسالة العالمية، ونشر الاسلام المبني على التسامح والتواد والمساواة واحترام الآخر ودمجه في الحياة وعدم اقصائه، الا ويجد القبول، حيث يدخل الناس في شرعيته أفواجا بحمد الله ورحمته.

ان الرجوع الى الاصل.. أصل، وقد ترجع عقارب التاريخ الى دورتها الحقيقية، حيث سيستفيق الانسان العربي ، وستنتعش انسانيته من جديد، وسيهب الى الحياة من بابها الواسع، وسينخرط في المدنية الانسانية الحقة، مدنية التحضر والتطور والتقدم والديمقراطية.

ومن هنا سأبدأ بالحديث عن الاسباب التي كانت وراء الربيع العربي، وان شأت ما يمكن أن يكون سببا من الاسباب التي دفعت الى هذه الهزة.

أولا الاسباب:

تعددت الاسباب، لكن النتيجة واحدة وهي الربيع العربي، واكثر هذه الأسباب التي كانت وراء هذا الربيع هي:

القمع؛

لقد عاشت الامة العربية تحت وطأة القمع ردحا كبيرا من الزمن نالت منه اشكالا متعددة من الاهوال و الويلات والمصائب، وعانت منه شعوبها كثيرا جراء ما كانت تقاسيه من أصناف الاستبداد والاستغلال والقهر، وانعدام الحريات، وجراء ما تجرأته من أساليب الظلم وسلب للحقوق وحط للكرامة .

القمع أنواع وأشكال فهناك:

· القمع السياسي،

يتجلى في فرض النظام السياسي على الشعوب بالقهر والقوة، وأحيان بتزوير الإرادة، وأحيان بالمراوغة، وأحيان بالضغط و الإستقواء بالأجنبي، وقد كانت هذه سياسة العديد من دول العالم، لكن الحضارة والتحضر، والرغبة في التحرير، مكنت العديد من الشعوب الإنسانية من فرض اختيارها، وتم تأسيس الدساتير التي هي عقود عامة تربط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتجعل الحاكم مسؤول أمام المحكوم في ما يتخذه من سياسات، وما ينهجه من مناهج.

لكن بعض الحكام جعلوا من هذه الدساتير صكا تتحكم من خلاله على رقاب شعوبها، وتفرض حكما وقوانينها حسب هواها ووفق مصالحها الخاصة بعيدا عن المصالح العامة.

ولكي يستمر وضع هؤلاء الحكام على هذا الحال، راهنوا على قمع كل أشكال الحقوق السياسية للأفراد، وعطلوها:

عطلوا الحق في تأسيس الأحزاب، وأن وجدت كانت أحزابا صورية ، يقصد منها الرواج الإعلامي،

عطلوا الحق في التصويت النزيه على تعديلات الدستور؛

عطلوا الحق في الانتخابات، بتزوير إرادة الناس؛

عطلوا الحق في التداول السياسي والتناوب في تحمل المسؤوليات؛

عطلوا الحق في تأسيس الجمعيات؛

عطلوا الرأي الآخر، وقمعوا الاختلاف؛

عطلوا الحق في التظاهر السلمي للمطالبة بالحقوق، وإسماع صوت الأخر؛

عطلوا حق المرأة في التعبير عن حقها، وحقها في المشاركة في تدبير الشأن العام؛

· القمع الاقتصادي

ان السمة الاساسية للأنظمة الاقتصادية، هي كونها تتسم بالحركية و التطور، وهذا راجع إلى عوامل ذاتية لها ارتباط عضوي بالاقتصاد نفسه: كازدياد الإنتاجية وتطور مستوى وسائل الإنتاج، واستخدام التقنيات الحديثة، وغيرها، وعوامل خارجية لا تتصل اتصالا مباشرا بالظواهر الاقتصادية: ومنها الاكتشافات الجغرافية والعلمية، والحروب و النزاعات السياسية.

غير أن اقتصاد هذه الدول وان تطور ونما، فإن ذلك لا آثار له عند هذه الشعوب، لان الحصار الاقتصادي الذي فرض عليها من طرف من يحكمونه ومن هم مقربون من الحاكم، جعل نعمة الاقتصاد ونموه ينحصر فضلها على هؤلاء دون سواهم من باقي الشعب، وبالتالي اصبح الشعب يعيش قمعا اقتصاديا، حيث تفرض عليه الضرائب التي يدفعها لوحده ، ويتحمل تكلفة العيش وارتفاعها لوحده، ولا يستجاب لمطالبه المرتبطة بالرفع من دخله وتحسين معيشته.

ان انتشار البطالة في المجتمعات الانسانية، وعدم التعجيل بإيجاد حل لها قمع اقتصادي، من شأنه أن يخلق توترا في المجتمع قد لا تحمد عقباه ونتائجه.

أن انتشار الفقر والحرمان والهشاشة الاقتصادية والعوز والفاقة في مجتمع ما دليل على انه يعاني قمعا اقتصاديا.

· القمع الاجتماعي:

تعتبر الناحية الاجتماعية للمجتمعات المرآة الحقيقية لتحضرها، فمن خلالها يمكن ان نستشف أن هذا المجتمع متحضر ومتقدم، وأنه في وضعية جيدة، وان جميع نواحي الحياة فيه محترمة.

لكن المجتمعات التي يسودها القهر والاستبداد، تطهر فيها علامات القمع الاجتماعي من خلال العديد من المظاهر، كظاهرة عدم التوفر على سكن أو السكن في أماكن غير لائقة ولا صالحة ، ولا تحترم فيها لآدمية الانسان، بسبب انعدام الصرف الصحي وغيرها، وعم وجود ماء ولا كهرباء.

ومن ظواهر القمع الاجتماعي عدم الاستفادة من الحق في التعليم، وان وجد كان تعليما ناقصا، والحق في التطبيب وان توفر كان خدمة سيئة تكثر في الاخطاء والمشاكل ويعسر الوصل الى الاستفادة من خدماته، والحق في الترفيه وممارسة الانشطة الرياضية والترفيهية سواء بسواء مع اصحاب الفرص والمحظوظين.

· القمع الفكري

وهذا الشكل من القمع يكون سائدا في المجتمعات التي لا تحترم الرأي الآخر، ولا ترغب في التعددية ولا تؤمن بالاختلاف ولا بالتنوع ، فتقمع كل رأي أو فكر يعاكس افكارها، ويخالف توجهها، سواء كان من الافراد او من الجماعات.

ان مصادرة الرأي سواء عبر منع الصحافة الحرة النزيهة الصادقة ، او عبر تعطيل دور الاعلام ورسالته التنويرية، أو عبر محاصرة الكتاب من خلال الرقابة اللصيقة على الافكار، أو منع الحق في التعبير عن الرأي ولو كان مختلفا -شرط ان لا يكون ماسا بالثوابت والمقومات- يعتبر من قبيل القمع الفكري .

· القمع العقائدي

حرية المعتقد اقرتها جميع الاديان، وليس من الدين عدم احترام معتقدات الاخرين، ومنع الاخر من مزاولة عباداته ومعتقداته، قمع عقائدي في حق الانسانية، وحرمان الانسان من رغبته في التدين والالتزام بشرائعه قمع عقائدي، ومن شأن القمع العقائدي ان يسبب في ظواهر خطيرة ، وانعكاساتها تكون وخيمة.

ان الدين واحد، وكل امة لها دينها الذي تتبعه ، وعلى الاخرين احترامه ، وعلى الحكام الامتثال لشرعته ومنهاجه، ولا يجوز أن يشرع بخلافه، لان في ذلك مس بحقوق الشعب ، وقد تكون الاغلبية في شعب تدين بدين ، وتكون اقلية تدين بآخر، ولا يحق اغفال شرع الاغلية ولا يحق سحق الاقلية ، بل يجب ان تكون المواقف مبنية على القوام و الاعتدال في المواقف، حتى يشعر الجميع ان له حق في التدين داخل مجتمعه، والا فان في ذلك قمع لمعتقده.

الفساد

قد لا يختلف اثنان في أي حديث عن الفساد دون التطرق الى مظاهره الكثيرة التي تظهر على جميع الاصعدة داخل المجتمعات التي تعاني من هذه الآفة ، سواء في المجال السياسي ، أو المجال الاداري، أو المجال القضائي.

ويبقى المجال القضائي اهم مجال، اذا ظهر فيه الفساد انعكس تأثيره السلبي على باقي المجالات، لان القضاء اساس العدل ، والعدل اساس الحكم، ولا يمكن ان نتصور حكما بدون عدل ولا قضاء نزيه ومستقل ، وإلا، فان الحكم يكون آنذاك بالقهر والقوة والقمع، وهذا ما يدفع بالثورات مهما بلغت قوة النظام وشكيمته.

أما الافساد الاداري ، فإن انعكاسه على حياة الناس اليومية وعلى قوتهم يجعل منهم اشخاصا غير راغبين في البقاء تحت ظل النظام الفاسد ادارته ، السيء تدبيره، حيث تكثر هجرتهم منه الى مجتمعات اخرى يحسون فيها بنوع من العدل والانصاف والحق، ويلمسون فيها التدبير الحسن.

وقد تكثر الاحتجاجات في المجتمعات الفاسدة، وتظهر القلاقل ، وقد ينعدم الامن، وهدذا كذلك من بين الاسباب المهمة التي كانت وراء هذا الربيع.

انعدام الامن

ذاك أن الاحساس بالأمن من بين دواعي استقرار الامم والمجتمعات ، وفي انعدامه مؤشر الى عدم الاستقرار، وليس الحديث هنا عن الانفلات الامني المعروف بكثرة اللصوص وقطاع الطرق ، أنما المقصود هنا بالأمن بالمفهوم الحقيقي ، وهو الامن الانساني، وله كثير من المناحي ؛

كالأمن الروحي، والامن الغذائي ، والامن الصحي، والامن المعاشي ، والامن اليومي.

ثانيا النتيجة :

اما اسقاط للنظام؛

حلول الربيع العربي ، واشراقته على الامة العربية، وهبوب نسمته العليلة على الشعوب التواقة الى الحرية ، والراغبة في الغد الافضل ، غد تتحقق فيه أماني الشعوب ورغباتها.

هكذا خرج اهل تونس الخضراء، وما كان احد يراهن على هدا الشعب بأن يقود ملحمة الربيع الانساني، وطالبوا بالإصلاح والانصاف ، ليتعرضوا للعنف والتنكيل ، فينتقل مطالبهم بالتغير واسقاط النظام.

وينتقل الى مصر، وما ادراك ما مصر، ثم ما اداك ما شعب مصر، فرغم ما كان يعانيه هذا الشعب البطل من فقر وضعف، الا انه تحدى كل قمع وحقق ثورته بكل سلام وأمان، وكان الفضل يرجع في اول الامر الى الله سبحانه وتعالى ثم الى انضباط الشعب ومؤسساته.

وهكذا دواليك بدأت الأنظمة الفاسدة تتهاوى امام انظار العالم، تتهاوى وتتساقط كما تتساقط اوراق الاشجار البالية العصية، والتي تمسكت بعروش الاشجار رغم رياح الخريف وبرودة وامطار الشتاء.

كانت البداية من تونس الابية الى مصر الكبيرة ثم ليبيا الشجاعة، وفي الطريق الى الثورة كل من اليمن السعيد بشعبه الواعي المتحضر والمتمسك بمقوماته، وسوريا الجريحة بما تعانيه من قسوة النظام المتحكم في رقابها.

وإما اصلاح النظام

قد ارجع الى هذا الموضوع واخصص له كلمة مستقلة له ، غير انه لابد من الاشارة الى ان الانظمة التي رغبت في الاصلاح استطاعت ان تتمكن من تمديد عمراها في السلطة الى حين، وهذا الحين مرتبط بمدى صدق نيتها في الاصلاح من عدمه.