الخميس، 10 ماي 2007

الغذاء الروحي


الإنسان عند الفراغ الروحي ، يفقد الهوية ، يفقد المواطنة ، يفقد الآدمية ، يفقد الشعور بالإنتماء ،يفقد الرغبة في التواصل، يفقد الرغبة في قبول الآخر، يفقد الرغبة في الحياة ، عندها يفقد إنسانيته، ويصبح كائنا حيا فاقدا الإحساس ، وحب الإستمرار و البقاء . فالمشاعر الإنسانية عنده تتراجع ، فينقلب إلى آلة أو إلى وسيلة لها كينونتها في كونها تتحرك بين الناس بلامودة ولاحب ولارحمة ولارغبة .


هذا الإنسان الذي يعيش هذه الحالة ، انه ذلك الذي يعيش في اليأس والشقاء، والحرمان ، والتهميش ، والتضمر، والبؤس، والإستسلام للإنهزامية والإنهيار الذي قد يكون إنهيارا نفسيا أوعقلياأو روحيا.وهنا تكمن الخطورة، عندها يصبح بلا إنتماء ولا هوية ،فتتقلص مساحة التفكير لديه ، ويصبح وعاءا يتقبل أي شيء بشرط أن يمشي على هواه ، هذا الشبيه بالإنسان يصبح عبارة عن آلة يمكن استغلالها لأي شيء وفي أي شيء ، يستغلها الذي يستطيع كسب ودها و بالتالي السيطرة عليها وتوجيهها بالشكل الذي يراه ويريده ، وفي الزمان والمكان الذي يريده ، وقد تتأثر هي من ذاتها بالأحداث والوقائع وتخلق لنفسها النموذج ولو في غير الصالح من النماذج .

الإنهيار النفسي

فالإنهيارالنفسي ،أسبابه مؤترات من الوسط الخاص :كالأم والأب ثم الإخوة ، ثم العائلة القريبة وأحيانا العائلة البعيدة إذا كانت على صلة بالأسرة دون أن ننسى الأصدقاء والجيران .ومن الوسط الشبه الخاص كأصدقاءالأسرة و العائلة، وأصدقاء الأصدقاء،وأصدقاء الجيران .ومن الوسط العام يدخل المجتمع بجميع تفاعلاته وتياراته ، وتدخل هنا كذلك الأنفوميديا وغيرها من الوسائل السمعية والبصرية ووسائل الإتصال عبر الأقمار الإصطناعية .كل هذا وغيره يجعل نفسية المنهار ضعيفة ميالة الى الشر قريبة من الشيطان فاقدة للتوازن و الرشد غير آبهة بالإستمرار في الحياة و البقاء ، لأن البقاء مرتبط بحب الإستمرار والرغبة في الحياه .وكون هذه الرغبة منعدمة في نفسه تبقى الإحتمالات الأكثر سوءا واردة منه .

والنفس وعاء الأهواء والرغبات ، ومفتاح الشهوات واللذات ، وقوة النفس تأتي بعد قوة الجسد ، وهما أساس الآدمية و البشرية ، والنفس كماتدفع الجسد إلى فعل الخير ، تدفعه الى فعل الشر، وميولاتها لاتحد ويصعب قيدها ، وإذا سيطرت على جميع الجسد يغلب طابع الشر على جميع جوارحه ، ويصبح فعل الشر غالب أفعاله ، وتنعكس آثارها على الناس بتراجع انسانيته وسيطرة غرائزه.

الإنهيار العقلي

والإنهيار العقلي ،عوامله ضعف النفس، وماسبق من أسباب إنهيارها ،بالإضافة إلى عدم التمدرس أو سوءه ،ومشاكل التمدرس ترجع بالأساس إلى عوامل المجتمع ونمط التدريس به ، وإلى المدرس و مناهجه في التدريس وكذا توجهه الفكري و وضعيته النفسية والإجتماعية ، وإلى المألوف والمتداول في الفكر العام عند الناس ،و إلى الأسرة ورغبتها في تلقين المعرفة الى الأبناء ونوعها والهدف منها .

والثقافة العامة أو الفكر العام ،كما يحلو لي الإصطلاح عليه ،وهوالتوجه العام الذي يغلب ثقافة العصر من أفكار ونظريات وخطاب وتيار فلسفي أوعقائدي أو أخلاقي أوغير ذلك من الفنون والآداب ،وكل ماهو مسموع في الأنفومديا ، أو المكتوب في الصحف والمجلات والكتب، أو المعروض في الأقراص المدمجة وغيرها من الوسال الإلكترونية المدمجة ، وهذا العنصر سهل الإنتشار والتأثير في العقل .

ومن عوامل الإنهيار العقلي العادات السيئة التي يعتاد عليها الإنسان وهي خارجةعن الفطرة التي جبل عليها ،حيث ينغمس هذا الإنسان في التداول على فعلها بشكل روتيني يسيء إلى قواه الفطرية التي حباه الله بها،فتنحرف تلك القوى عن وجهة الخير التي جبلت عليها و تنقلب إلى وجهة أخرى ،يكون كسب الشر من الأفعال السمة الغالبة منها , فلا يرى المجتمع منها إلا ماهو شر و قبح، ينعكس على المجتمع قبل أن يصيبه من شرها ما ينعكس سلبا على نفسه و جسده ، فيؤدي به ذلك إلى نسيان أنه إنسان خلق لتعمير هذا الكون و الكسب فيه .

فالعادات السيئة مناقضة لفطرة الإنسان وتضر به وبحياته ويمكن أن ينتقل شرها إلى المجتمع ككل ،لذا يجب محاربة هذه العادات بالإقلاع عن فعلها والإعتياد على نقيضها الذي هو في صالح الحياة والإنسانية ، ولا فرق بين الحياة والإنسانية لأن في الرجوع إلى الإنسانية بقاء الحياة واستمرارها .

الإنهيار الروحي

وهوأخطرالأمراض وأشدها قتامة ، والروح لاتنهار كما تنهار النفس وينهار العقل ، لكن إنهيارها يتجلى في كونها تصبح حبيسة الجسد الذي هي فيه فتبحت عن الخلاص والإنفصال منه وتركه بأي طريقة أو بأخرى .
وسبب الإنهيار الروحي إنعدام الدين والأخلاق ، فالروح لها ارتباط وتيق بهما ، وعند انعدامهما أو انحرافهما يصبح الإنسان بلا روح ، والروح هي التي تقيد العقل و النفس و تكبح نوازع الشر في الإنسان ، وانعدام الأخلاق أو فسادها نهاية العقل والنفس ، وبالتالي تعاسة الروح في الجسد ،ثم بداية نهاية الإنسانية فيه ، والإقدام على أي شيء أو شكل من أشكال الشر يبقى واردا ،وأقصى الشرور قتل النفس والغير معا والإنتقام من الجسد والناس .

كيف الخلاص

قد يتسائل المرؤ ان الخلاص لمثل هذه المعظلة صعب ،لكنه في حقيقة الأمر سهل ، وفي سهولته تكمن صعوبته ، وصعوبته في الإقتناع به أولا ، والإقتناع به أساس حلول المشاكل كلها وبه تزول هذه المعظلة ، والإقتناع بالغذاء الروحي بداية العلاج ، ولابد من المرور من المراحل الأتية :

التربية والتهذيب : لابد من ان تتأسس في هذه المرحلة درجة من الثقة المتبادلة بين الجميع ، عندها يتم الإتفاق على مجموعة من الرياضات التي يعتاد الشخص على القيام بها في كل يوم مرة إلى خمس مرات ،على أن لاتطغى هذه على حياته الخاصة والعملية للمتلقي.

المصاحبة والسماع : لابد من اختيار رفيق دائم يصاحب المنهار و يسمع له و يتواصل معه ، ولابد أن يكون متشبعا بالإنسانية.

التكوين والتأهيل: وذلك عن طريق برامج تشرف عنها جمعيات أهلية أو غيرها من المؤِسسات المحلية والوطنية ،ولا بد أن يكون التكوين سهل الحصول و في المتناول .

الإندماج في المجتمع: عبر تحسيسه بأنه فعال في المجتمع ، ولابد من:

* منحه الحق في العمل
* منحه الحق في تأسيس الأسرة
*منحه الحق في تأسيس رأسمال ولو اليسير منه ،أو نشاط مدرللكسب أو غيره حسب ميولاته الفطرية أو الشخصية
*منحه الحق في التعبير والتظاهر

إدماجه في الشرائع الدينية مع إقناعه بها: لابد من أن تؤخد تلك الشرائع من المنبع الصافي الخالص والصحيح ، دون خلق الأحقاد فيه وزع الكره في نفسه على بقية الأديان . وهذ المرحلة من أصعب المراحل وأكثرها حساسية وسوف أتطرق إلى هذا الموضوع في حينه.